معضلة الأمن: هي وصف لحالة تزيد فيها دولة من وسائلها الدفاعية من أجل تحقيق درجة أعلى من الأمن، وهي ما تفسره دولة أخرى على أنه عمل عدواني، وبالتالي يتم مواجهته بإجراءات أمنية من جانبها؛ مما يؤدي بدوره إلى انخفاض أمن الدولة الأصلية بدلاً من زيادته. هذه المعضلة الأمنية أو المعادلة الصعبة تتكرر عبر التأريخ وتورد العالم إلى حرب عشواء شاملة توصل البشر إلى مهالك. في وقتنا الحاضر يمكن رؤية أحد أكثر الأمثلة الملموسة للمعضلة الأمنية في المواجهة المتصاعدة بين روسيا وحلف الناتو لتحقيق البعد الأمني والدفاع عن السيادة، والذي تحول إلى مواجهة عسكرية على أرض أوكرانيا! تلك المواجهة التي بدأت فصولها بمناورات سياسية من خلال العقوبات مرورا بمساندة القيادة الأوكرانية بالأسلحة الدفاعية؛ وحتى وصلت مشاركة حلف الناتو اليوم بالأسلحة الهجومية! وفي هذا السياق أعلنت المملكة المتحدة تسليم أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى لتوجيه ضربات هجومية في الداخل الروسي، وحول هذه الخطوة غير المسبوقة من قبل أحد أعضاء حلف الناتو قالت وزارة الخارجية الروسية: "إن قرار المملكة المتحدة بنقل صواريخ ستورم شادو بعيدة المدى إلى كييف هو تصعيد خطير للوضع". وعلى ما يبدو أن أوكرانيا مجرد بداية لمواجهة أشد بأسًا وضراوة. وفي هذا الصدد حلف الناتو مدفوعًا بالولايات المتحدة الأميركية يجر العالم اليوم إلى فصل خطير ومشهد جديد يجسد معضلة الأمن في أبشع صورها، حيث أعلن الناتو الأسبوع الماضي أنه سيفتتح أول مكتب له في آسيا على الإطلاق، وذلك على أرض اليابان العدو التاريخي والاستراتيجي لدولة الصين. هذه الخطوة من قبل حلف شمال الأطلسي هي من أجل تحقيق درجة أعلى من الأمن لحلفاء أميركا في المنطقة، وخصوصًا دولة تايوان التي تشهد في الآونة الأخيرة تصاعدا متزايدا في التوتر، نتج عنه تهديد مباشر من قبل أميركا على لسان عضو الكونغرس الديمقراطي الأميركي سيث مولتون عندما قال: "إن على الولايات المتحدة أن تجعل الصين تفهم أننا سندمر مقر شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة إذا غزت الصين تايوان"، وذلك في مؤتمر عُقد في 3 مايو نظمه معهد ميلكن للأبحاث ومقره كاليفورنيا. جاء التهديد بعد تحذير من مستشار الأمن القومي السابق روبرت أوبراين، الذي أشار إلى أن الصين ستسيطر على الاقتصاد العالمي إذا استولت على الشركة. هذه الخطوة الجريئة من قبل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز أمنها وأمن حلفائها في المنطقة ستقابل بطبيعة الحال بتحرك من قبل الصين، وفي هذا السياق أخطرت بكين واشنطن أن من غير المرجح عقد اجتماع بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الصيني لي شانغفو؛ خلال المنتدى الأمني القادم في سنغافورة والذي سيجمع القادة العسكريين من 28 دولة، وهذا شاهد على تصاعد التوتر المدفوع برغبة أحد طرفي النزاع تعزيز مكانتها داخل معادلة الأمن. يقول رون بول -سياسي أميركي وعضو جمهوري سابق في مجلس النواب-: "بعد فتح أول مكتب لحلف الناتو في آسيا، أنسوا أوكرانيا، صقور واشنطن يسحبون الناتو إلى حرب مع الصين في تايوان". بعد هذه التحركات الأميركية التي تعزز حدوث المعضلة الأمنية بين الغرب والصين، هل ستكون تايوان عن طيب خاطر بمثابة "أوكرانيا" الشرق؟ .
مشاركة :