مع إحياء الفلسطينيين للذكرى الخامسة والسبعين للنكبة في الخامس عشر من مايو/ أيار، قامت DW بسؤال عدد من الفلسطينيين عن واقع النكبة وتأثيرها على حياتهم. رسم غرافيتي داخل مخيم جنين يرمز إلى النكبة هيا سنوار .. طالبة في عامها الـ 22 تعيش في مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة. "تعد النكبة مأساة فلسطينية طويلة، حيث أنها الحدث الوحيد الذي يرافقني ويتعلق بي كلاجئة. أعيش في مخيم [للاجئين] وأواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا أعرف سوى المخيم والمنازل المزدحمة والشوارع الضيقة والضوضاء وقلة الخدمات والجو العام القاتم المرافق لذلك. أعتقد أنه عندما يكبر المرء ويراقب الحياة خارج قطاع غزة يتضح له أننا لا نعيش حياة طبيعية. هيا سنوار: هناك تحديات تواجهني كشابة فلسطينية، إذ نعاني من نقص الأمان الوظيفي والاستقرار الاجتماعي أثرت النكبة على حياتي كلاجئة بشكل خاص وكفلسطينية بشكل عام . أرى فجوة كبيرة بين الواقع وأحلامي وحق العودة *. لم ولن نتنازل عن حق العودة لأنه لن يتقادم بمرور الوقت. بغض النظر عن عدد السنوات التي مرت، يجب أن نعلم أطفالنا حق العودة، كما يجب علينا أن نعيش حياتنا. هناك تحديات تواجهني كشابة فلسطينية، إذ نعاني من نقص الأمان الوظيفي والاستقرار الاجتماعي. أنا على وشك التخرج من الجامعة، لكنني قلقة حيال عدم تمكني من الحصول على وظيفة. إذ يتعين علي أن أبذل عشرة أضعاف ما يبذله أي شخص خارج القطاع من أجل العثور على فرصة عمل. أرغب في أن أكون قادرة على تحقيق الأمن الوظيفي وبعض الاستقلالية والعيش في ظروف سياسية عادية، وأن أحظى بحياة بلا حرب ولا تصعيد وحياة تخلو من هذا القلق الدائم إذ لا يوجد سلام كما يدعون. يجب أن يكون هناك طرف يتحدث نيابة عن الفلسطينيين ويأخذ مشاكلنا على محمل الجد ويبحث عن حلول ولا يضُيع حياتنا. لم أسافر إلى خارج القطاع ولو مرة واحدة، طبعا أحب السفر ورؤية العالم الخارجي. *وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في عام 1948 وكذلك قرار الأمم المتحدة رقم 3236 لعام 1974 واتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، فإن "حق العودة" ينطبق على الفلسطينيين الذين يُعتبرون "لاجئين". في المقابل، ترفض إسرائيل الاعتراف "بحق العودة" للفلسطينيين قائلة إن ذلك سيعني إنهاء هويتها "كدولة يهودية". صوفي مكرر: كنا نظن دائما أن رحيلنا سيكون لفترة من الوقت، لكن اتضح أن الأمر سيكون إلى الأبد ولم نتمكن من العودة صوفي مكركر ولدت في البلدة القديمة بالقدس قبل 89 عاما ونزحت عائلتها من منزلها في منطقة تُعرف اليوم بالقدس الغربية عام 1948 وتعيش في الوقت الراهن في بلدة بيت جالا جنوب القدس بالضفة الغربية المحتلة. "كان عام 1948 بمثابة صدمة كبيرة لنا إذ كان هناك إطلاق نار والكثير من المشاكل في الشوارع. كنا نسكن قرب بوابة يافا فيما كان يمتلك والدي استوديو للتصوير، وكنت أذهب إلى مدرسة "القديس يوسف" وكانت حياتي الدراسية مثالية. يمكنني القول إنها كانت جنة، حيث كان هناك معلمون جيدون وكان المكان رائعا والتعليم بالعربية والإنجليزية والفرنسية. لكن كل هذا ضاع مع اضطررنا إلى الرحيل والانتقال إلى بيت لحم. قرر والداي أن حياتنا في خطر، إذ كان القتال يندلع في الشوارع فضلا عن وجود إطلاق نار حتى قبل عام 1948. وفي حينه، قال والدي إنه من الأفضل أن ننتقل إلى بيت لحم لأن لدينا أقارب قاموا باستضافتنا فيما أضطر آخرون إلى العيش في مخيمات [لاجئين]. لم يستطع والدي أخذ أي من معداته من الاستوديو الذي كان يمتلكه، إذ خسر كل شيء وكان واقع ذلك صعبا عليه. ولم نتوقع حدوث ذلك على الإطلاق، وبعد أن غادرنا منزلنا في القدس، مضى إخوتي قدما في الدراسة. أما أنا، فكنت الأكبر سنا ولم أستمر في الدراسة بعد ذلك بسبب زواجي وأنا في سن صغيرة. لقد أوليت اهتماما كبيرا بأسرتي لكي يتمكن أبنائي وبناتي من الدراسة لضمان مستقبل أفضل. كنا نظن دائما أن رحيلنا سيكون لفترة من الوقت، لكن اتضح أن الأمر سيكون إلى الأبد ولم نتمكن من العودة. جرى حظر عودة العرب إلى الجزء الغربي من القدس. اضطر العديد من اللاجئين إلى قصد أماكن بعيدة مثل دمشق وبيروت ومدن أخرى. وفي إحدى المرات، أتيحت لي فرصة زيارة القدس ومررت بالشارع والمنزل ورأيت الأشجار خاصة أشجار الليمون وكل شيء، كان يعتصرني شعور بالحزن. أعتقد أن العالم لم يعد يهتم بكل هذا بعد الآن. لقد أصبحنا في طي النسيان". فايزة عفيفي: الحياة ضيقة للغاية أمامنا. لا يمكننا التحرك بحرية فايزة عفيفي طالبة تبلغ من العمر 22 عاما وتعيش في رام الله بالضفة الغربية المحتلة. "ما يتبادر إلى ذهني عندما أفكر في عام 1948 محاولة ربط ذلك بما نعيشه الآن. لأنني لا أنظر إلى الأمر في الإطار الشخصي، وإنما في إطار الأشخاص الذين أعيش معهم والأشخاص الذين نشأت بينهم. أشعر وكأننا نعيش رهن تداعيات كارثة بدأت لكنها لم تنته، فالأمر بمثابة شبح يُطاردنا في كل مكان. لقد نشأنا في كنفه وبات جزءا من حياتنا سواء أحببنا ذلك أم لا. تنحدر عائلتي من جذور مختلفة، فقد ولد جدي في الرملة [قرب تل أبيب] فيما كان والد جدتي من عكا ووالدتها من حيفا. وُلد والدي في لبنان وليس في فلسطين، لكنهما عادا بعد اتفاقات أوسلو للسلام في 1995 و1997 حيث استقرا بشكل أساسي في غزة عندما كانت هناك السلطة الفلسطينية. عندما ذهبت إلى حيفا لأول مرة قبل عامين أو ثلاثة أعوام، كان الأمر بمثابة تجربة غريبة ومختلفة للغاية. وأتذكر عندما عدت إلى منزلي، قمت بالاتصال بجدتي وكانت تسألني كيف كان الأمر. أخبرتني بما قيل لهم عندما اضطروا لمغادرة حيفا إبان النكبة، إذ قِيل لهم إنهم سيغادرون لبعض الوقت ثم يعودون وأن الأمر مؤقت، لكن كذبوا عليهم. لم يتمكنوا من أخذ الكثير من الأشياء معهم سوى بعض الحقائب الصغيرة ومفتاح المنزل. قاموا في ذاك الوقت بإغلاق منزلهم وقصدوا لبنان وانتظروا هناك لأسبوع ثم أسبوعين ثم ثلاثة في سبيل أن يحين الوقت لعودتهم، لكن لم يحدث ذلك ولم يعودوا أبدا. أشعر أن الشباب الفلسطيني أصبحوا أكثر جماعية، أشعر أننا سوف نجتمع معا ونحاول كسر الحدود وربما نتحلى بشجاعة أكبر مما نحن عليه في الوقت الراهن. إننا غير قادرين في الوقت الحالي على اتخاذ قراراتنا بأنفسنا. الحياة ضيقة للغاية أمامنا. لا يمكننا التحرك بحرية. إذا كنا نرغب في الانتقال من رام الله إلى نابلس، فسوف نواجه بعدد كبير من الجنود [الإسرائيليين] المسلحين الذين يُرعبوننا. لا يمكن أن تشعر بالراحة وأنت في منزلك، إذ يبدو أن الشعور بالوطن قد دُمر. إننا نرصد كل ذلك بشكل يومي ونرى القبح كل يوم. لا أعرف ما الذي سيحدث في المستقبل، أشعر أنه حتى في حالة تطبيق حل الدولتين، فإن الأمر لن يكون محض اختيارنا. لا أعتقد أنه سيكون هناك حل الدولتين، فقط لسبب وحيد هو أن (إسرائيل)– كما أعتقد – لا تريد حل الدولتين. أعتقد أن (الإسرائيليين) يريدون فقط تولي الأمر برمته وأن يكون كل شيء تحت إدارتهم وأن يفعلوا ما يفعلونه الآن". عدي منصور: تعد النكبة جزءا من الهوية وجزءا مني وكيف أرى نفسي عدي منصور شاب فلسطيني في عامه الـ 26 يعيش في حيفا بإسرائيل مسقط رأسه، إنه ناشط حقوقي مدافع عن حقوق الإنسان، وله نشاط في "حركة شباب حيفا". "تعد النكبة جزءا من الهوية وجزءا مني وكيف أرى نفسي. التفكير في النكبة يعني الغوص العميق في تاريخ والدي وأمي وتاريخ جدتي وجدي وأسلافي لفهم ما حدث في الماضي وكيف أصبحت النكبة جزءا من حياتهم لتصبح لاحقا جزءا من حياتي. وأن أفكر حقا في الصراع الذي مر به جدي وجدتي ففي عام 1948، على سبيل المثال طُرد جدي من حيفا وذهب إلى لبنان، لكنه لاحقا عاد ليجد منزله قد أخذ منه حيث كان مستوطنون يهود يعيشون في منزله. اضطر إلى العيش في منزل تقاسمته معه أسرة أخرى، كانت أسرته تعيش في غرفة تضم جميع المرافق، لقد حاولوا إعادة تأسيس وبناء أنفسهم بعد النكبة. التفكير في النكبة يعني التفكير في حدث حطم مجتمعا بأسره وكيف أصبح من بقى في حالة انفصال عن كل مكان وعن العالم العربي وعن الشعب الفلسطيني، فيما حاولوا في الوقت نفسه إعادة بناء ذاتهم. يميل الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأن النكبة بمثابة حدث تاريخي، لكنها من وجهة نظرنا كفلسطينيين تعد واقعا مستمرا. إنها جزء مهم وضخم بالنسبة لنا كمواطنين فلسطينيين في دولة [إسرائيل]. النكبة جزء من مكانتنا. تشكل النكبة إطار واقعنا ومكانتنا داخل دولة [إسرائيل]. هذا هو الحدث الذي قرر أننا أعداء الدولة. كان ذلك الحدث هو الذي قرر أننا سنكون [مواطنين] من الدرجة الثانية. عندما كنت طفلا كنت أسمع القصص. كان والداي يعملان على التأكيد بمعرفتي بالتاريخ. لقد سمعت أيضا قصصا من جدتي إذ كان من المهم جدا بالنسبة لها أن تتحدث. أعتقد أنه أصبح من الأسهل بعد تلك السنوات العديدة أن تتمكن فجأة من التحدث أكثر عن ذلك. لكنني أعتقد أنني مازلت لا أعرف ما يكفي. يعيش الكثير من الناس مع عواقب ما حدث في عام 1948. نشهد الكثير من النقاش حول حل الدولتين وحل الدولة الواحدة وأنماط مختلفة من الحكم الذاتي. لكنني أعتقد أنه من أجل البدء في هذا النقاش، نحتاج إلى فهم أن حق العودة [بالنسبة للاجئين الفلسطينيين] يجب أن يتم تنظيمه ضمن النظام القانوني، مما يجبر أي حكومة مستقبلية على تنفيذ حق العودة. إذ حتى الآن يظل حق العودة ورقة سياسية في إطار ما يُطلق عليه مفاوضات [سلام]. إذا كنا سوف نتحدث في المستقبل عن نوع من دولة المساواة لجميع مواطنيها أو دولة ديمقراطية في فلسطين التاريخية، فإن حق العودة يجب أن يصبح قانونا وأن يحل محل قانون العودة بشكله الحالي الذي (يسمح الآن لأي شخص له جد يهودي واحد على الأقل بالمجيء إلى إسرائيل وأن يصبح مواطنا إسرائيليا)، يجب أن يسمح في المستقبل لكل فلسطيني بالعودة والحصول على الجنسية في هذه الدولة". تانيا كريمر/ م.ع ساهم حازم بلعوشة من غزة في إعداد التقرير. جرى اختصار المقابلات وتحريرها بهدف الإيضاح.
مشاركة :