رغم أن الفن التشكيلي سجل حضورا لافتا في تظاهرة قسنطينة (شرق الجزائر) عاصمة الثقافة العربية لعام 2015، فإن بعض الفنانين التشكيليين يعتبرون أن هذا الحضور لا يعكس وجود اهتمام رسمي بهذا الفن بالجزائر. ومنذ انطلاق التظاهرة استضافت مدينة الجسور المعلقة أعمال العديد من الفنانين التشكيليين، أهمهم التشكيلي الجزائري صادق أمين خوجة. ومن أهم الفعاليات التشكيلية في التظاهرة، معرض للفنان القسنطيني الراحل كمال نزار (1951-2002) في قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقلب المدينة، تحت عنوان بين الأمل والوجع، والذي استعرض أكثر من مائة لوحة تختضر مسيرة الفنان التي مرت بثلاث مراحل، جسدتها ثلاثيته قوس قزح والماهية وانفجار، التي تعبر كل واحدة منها عن مرحلة وطريقة رسم الفنان. كما احتفت المدينة بأبنائها التشكيليين بعرض أكثر من مئتي لوحة تمثل إبداعات 37 فنانا. ولا تقتصر الأنشطة المخصصة للفنون التشكيلية على الرسم، بل شملت أنواعا أخرى من هذا الفن، على غرار المهرجان الدولي للمنمنمات والزخرفة، ومعرض فن الكتاب الإسلامي، وصالون النحت للشرق الجزائري، والذي يستمر إلى نهاية الشهر الجاري. إقبال جماهيري وعلى عكس الأنشطة الثقافية الأخرى المقامة في إطار التظاهرة، والتي عانت من مشكلة غياب الجمهور، استقطبت المعارض التشكيلية اهتمام القسنطينيين الذين توافدوا بكثرة على قاعة العروض الكبرى أحمد باي، وقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة. وكشفت تركي بثينة من دائرة المعارض والفنون للجزيرة نت عن أرقام تؤكد ذلك الإقبال، حيث سجل معرض التشكيلي أمين صادق خوجة الاهتمام الأكبر للزوار من خلال استقطابه أكثر من 27 ألف زائر، كما استقطب المعرض الخاص بالفنانين القسنطينيين أكثر من 17 ألف زائر، في حين استقطب معرض خاص بالفن المعاصر نحو 15 ألف زائر. وكشف مدير الثقافة الأسبق لقسنطينة جمال فوغالي أن الفن التشكيلي كان له حضور استثنائي في التظاهرة، يعكسه إنشاء دائرة دائمة للمعارض والفن، التي حرصت على تنظيم أنشطة خاصة بهذا الفن توازيا مع الأنشطة الفن الأخرى، من مسرح وسينما وندوات فكرية وأدبية. وكشف للجزيرة نت أن وجود قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقلب المدينة هو السرّ في الإقبال الكبير للزوار على معارض الفن التشكيلي، كما أن سكان المدينة تعودوا على حضور أنشطة مماثلة كانت تقام باستمرار في العامين الأخيرين بقاعة الفنان اسياخم. غياب الاهتمام ورغم الحضور اللافت للفن التشكيلي، فإن ذلك برأي البعض لا يعكس اهتماما رسميا بهذا الفن، حيث يؤكد الفنان التشكيلي محمد بوكرش -الذي يعد من بين أشهر التشكيليين الجزائريين- أنه قبل الحديث عن مكانة الفن التشكيلي في المشهد الثقافي بشكل عام، ينبغي الحديث عن مدى وجود سياسة ثقافية، تدفع نحو حراك يخرج الواقع الثقافي من واقعه المزري. وفي تقديره فإن النشاط الوحيد الذي يمكن الإشادة به هو ما تقوم به جمعية البصمة للفنون التشكيلية بمدينة سيدي بلعباس (غرب الجزائر)، والتي تنظم ورشة الخيمة التشكيلية كل شهر أغسطس/آب، حيث يلتقي الفنانون والموهوبون لتبادل الخبرات والتجارب. ورغم أهمية ما تقوم به الجمعية فإنها لا تحظى بدعم وزارة الثقافة، حسب قوله، وبيّن أن ميزانيتها لا تتجاوز ثلاثة آلاف دولار لا تكفي حتى لإطعام المشاركين، مما يضطر رئيسها فريد داز إلى استضافة الفنانين في بيته. ومن المنتظر أن تختتم تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية في يوليو/تموز 2016، وأن ينتقل المشعل إلى الجارة الشرقية تونس حيث يتم إعلان صفاقس عروسا للثقافة العربية في الـ23 من الشهر نفسه.
مشاركة :