يبدو أن الحديث عن تهديدات مباشرة لحقوق المرأة في تونس لا يزال غير منطقي، بل ربما هو ضرب من الخيال كما يؤكد الواقع وكما تفسّره الأحداث المتتالية التي شهدتها البلاد منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2011. ففي بلد راهن على حقوق المرأة وإيلائها المكانة التي تحسدها عليها حتى المرأة في الغرب المتقّدم، لم يعد للحديث عن تدجينها أي معنى، وحتى بعض الأصوات التي خرجت بعد «الثورة» تنادي بإلغاء مجلة الأحوال الشخصية (1956) والعودة إلى الشريعة كمصدر أساس للتشريع بما في ذلك الفصل بين الجنسين وإقرار تعدد الزوجات مثلاً، لم تجد آذانا صاغية إلا لدى قلّة قليلة جداً لا يمكن أن تشكّل رأي الغالبية في تونس. فمنذ الأيام الأولى للاستقلال (آذار/ مارس 1956)، انطلقت البلاد في دعم حضور المرأة في مختلف مجالات الحياة وباتت تمثّل إلى جانب الرجل أحد أهم الركائز التي اعتمدت عليها الدولة الفتيّة من أجل بناء بلد خرج للتوّ من حرب التحرير ضد مستعمر جثم على صدر الشعب عشرات السنين. المرأة التونسية كانت ولا تزال رائدة في مجالات الحياة، وقدمت الإضافة لبلادها كما شعّ حضورها على دول أخرى سواء في الجوار من خلال العمل في قطاعات مثل الطب والتمريض والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية أو حتى البلدان الأوروبية أين درست وعملت وساهمت في تطور تلك البلدان. تقول حميدة وهي مدرسة في المرحلة الابتدائية: «لا أُخفي أن خوفاً انتابني حين نادت أصوات بمنع المرأة من العمل وضرورة ملازمتها البيت وتعدد الزوجات، وما إلى ذلك من أفكار دخيلة على بلادي والتي لا تمتّ إلى عاداتنا وتقاليدنا بصلة. لكن مع مرور الوقت لم تعد تلك المطالب تقلقني مطلقاً لأنني تأكدت أن المرأة التونسية لن تفرّط في حق من حقوقها مهما حدث». وتضيف: «لديّ بنتان في سن الخامسة عشرة والثامنة عشرة، زرعت فيهما منذ طفولتهما قيم العدالة والمساواة مع الرجل في إطار من الاحترام المتبادل، ونشأتا على تلك القيم ما يجعلني مطمئنّة في شكل كافٍ على مستقبلهنّ». في المقابل، لم تخفِ آمنة منصور القروي رئيسة الحركة الديموقراطية للإصلاح والبناء خشيتها من تقلّص دور المرأة في الحياة السياسية، خصوصاً في مرحلة الانتقال الديموقراطي، معتبرة أنه دور سلبي. وقالت في ندوة صحافية خلال الشهر الماضي، أن «مكاسب المرأة مهددة في شكل كبير أكثر من أيّ وقت مضى»، لأن هناك «جهات وأطراف تحشرها في مشاريع بث الفتنة على غرار الهوية والنقاب». الاغتصاب ظاهرة؟ وفي سياق آخر، عبّرت القروي عن غضبها من حالات الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة معتبرة إياها «جريمة خطرة تحمل في طياتها انعكاسات كبيرة على المجتمع ككل». وبحسب إحصاءات لجمعيات مهتمّة بواقع المرأة، فقد تضاعف عدد المغتصبات في تونس بعد الثورة ليصل إلى نحو 1050 حالة، أي بمعدل 3 حالات يومياً، ما يُعتبر رقماً خطيراً ومقلقاً جداً، إذ تجاوزت الظاهرة اغتصاب النساء والمراهقات لتصل إلى الأطفال في حالات عدة. ولعلّ ما حدث في تونس منذ ثلاث سنوات، لم يكن متوقعاً حتى من أكثر المحلّلين السياسيين قدرة على التنبؤ. ويؤكد اختصاصيون في علم الاجتماع أنّ من بين الإفرازات الخطيرة لـ «الثورة التونسية» ظهور العناصر السلبية في شخصية بعضهم، والتي كانت متخفية في ظل نظام ديكتاتوري بوليسي وظهرت مع أول بروز لضعف أجهزة الدولة، فضلاً عن الإفراج عن آلاف المنحرفين وإخلاء سبيلهم على رغم أنّ عدداً كبيرة منهم كانوا سجناء لقضايا اغتصاب واعتداءات بالعنف الشديد. ولعلّ الإحساس بإمكان الفرار من العقاب هو أحد أهم الأسباب التي جعلت حالات الاغتصاب تتضاعف وبأشكال مختلفة. ويرى علماء الاجتماع أنّ هذه العوامل وغيرها ساهمت في أن تشهد تونس أسوأ حالات الاغتصاب وأكثرها وحشية، وأكثر ما يقلق اليوم هو أن تصبح تلك الحالات أمراً عادياً لدى التونسيين. أفكار شاذة وفي السياق ذاته، يؤكد مراقبون ومهتمون بالشأن التونسي ما بعد «الثورة» أنّ أفكاراً «شاذة» وفدت على تونس خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تصبّ جميعها في خانة الجنس والمتعة الجنسية من خلال الترويج لزواج القاصرات والزواج العرفي وجهاد النكاح والقول بضرورة تعدد الزوجات لتقليص عدد العانسات، فضلاً عما شهدته الجامعات التونسية من حالات زواج على غير الأطر القانونية، وما أقرته وزارة الصحة من توفير حبوب «الفياغرا» وترويجها قانونياً في الصيدليات. كلها عوامل ساهمت في تفشّي عقلية الاعتداء على المرأة باسم الدين، فباتت «مجرد سلعة» أو «وعاء» للجنس لا أكثر لدى كثيرين ممّن يستقبلون الفتاوى «الشاذة» من دون تفكير أو تحليل. لكنّ أطرافاً أخرى تقدّم رأياً مغايراً، معتبرة أنّ ظاهرة الاغتصاب ليست جديدة على المجتمع التونسي. ولم تتنامَ بعد «الثورة» لكنّ الواقع الجديد سلّط الضوء عليها أكثر من قبل، حيث كان النظام السابق يمارس أشكالاً من التعتيم بغاية إبراز الوجه الآمن للبلاد. وتشدد على ضرورة إجراء دراسة معمقة للظاهرة والبحث في أسبابها ومحاولة إيجاد حلول جذرية لها بعيداً من التوجيه الديني أو السياسي. وعموماً تعتبر تونس سبّاقة في حماية المرأة، ولعلّ الأرقام وحدها تكفي لتأكيد ذلك، ولا شك أن المرأة التونسية لن تفرّط في حق من حقوقها مهما حدث.
مشاركة :