إمارة الفجيرة قادرة على خلق التواصل بين الإنسان والمكان والزمان، فمن يأتيها لزيارة قصيرة، يكتشف وهو يغادر أنه يرغب في المكوث مدة أطول يقضي نهاره في استكشاف روعتها، ويسهر متأملاً سماءها وجمال جبالها الشاهقة وبهاء أشجارها الذي أكسبها جمالاً، لم تزدها الأيام إلا تألقاً. بين الجبال الشاهقة الملونة والمزارع والبساتين المثمرة وعلى الشاطئ البحري لخليج عمان، تقع منطقة شرم التابعة إداريا لمدينة دبا الفجيرة، على بعد مسافة 55 كيلومتراً شمال مدينة الفجيرة على شريط الساحل البحري الممتد بين مدينة خورفكان التابعة لإمارة الشارقة ومدينة دبا الفجيرة. تتميز المنطقة بشواطئها حيث الهدوء والجمال والتاريخ، المتمثل بالمنازل القديمة المحتفظة بين جدرانها بروائح الزمن الجميل لحياة الأهالي الأولين، كما تتميز بوجود العديد من الجبال الشامخة التي تحرس أوديتها الكثيرة، فترسم لوحة مبهرة من جمال الطبيعة الخلاب. امتهن أهالي شرم والمناطق المجاورة لها منذ القدم، صيد الأسماك بأنواعها وركوب البحر والغوص، كما عرفت المنطقة بتنوع المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية نتيجة لتربتها الخصبة ومياهها العذبة وجوها الجميل الذي يساعد على وفرة الإنتاج الزراعي، من أشجار النخيل والمانجو والرمان ونباتات الغليون وغيرها، بينما وفرت الجبال الهدوء والسكينة لمناطقها الساحرة الجميلة. الخليج زارت منطقة شرم الواقعة بين أحضان الجبال العالية المطلة على الشواطئ الرملية الجميلة، ورصدت التقرير التالي.. الوالد محمد الزيودي، أبو أحمد، الذي يمتهن صيد الأسماك وركوب البحر منذ الصغر، يقول: كانت الحياة في الماضي قاسية وصعبة نظراً لقلة موارد الرزق، وكنا نعتمد في حياتنا بشكل أساسي على ركوب البحر وصيد الأسماك بأنواعها المختلفة، والبعض كان يذهب مع أبناء المناطق الساحلية، في رحلات البحث عن اللؤلؤ في أعماق البحار، كما كنا نعتمد على زراعة جميع أنواع الأشجار، خصوصاً النخيل والحبوب بأنواعها، وجمع الحطب وتحويله إلى فحم، والبعض من الأهالي كان يتاجر في المحاصيل الزراعية في أسواق دبا والشارقة، فضلاً عن عمليات المقايضة التي تجري بين اليخوت الراسية على شواطئ القرية وأهلها من محاصيل وحطب، مقابل الزيت والدقيق والملح وبعض الأقمشة وغيرها من احتياجات أهل القرية. الحياة في شرم كانت بسيطة قائمة على البركة والمحبة بين الجميع وتقديم يد العون والمساعدة لمن يحتاج إليها، سواء من داخل المنطقة أو خارجها، بحسب الزيودي، الذي يضيف: عندما يبدأ أحد أهالي المنطقة في بناء منزل، فإن كل رجال القرية كانوا يساعدونه إما بشكل مباشر أي المساهمة على أعمال التشييد، أو تقديم المال، وكذلك في موسم جني التمور أو موسم حصاد نبات الغليون، كما كان بعض الأشخاص الذين يمارسون صيد الأسماك يوزعون صيدهم على العائلات المحتاجة بلا مقابل، وهكذا كان التعاون والمساعدة بين الأهالي في كل مجالات الحياة. ويتذكر الوالد خلفان بن أحمد الحمودي، بيوت المنطقة قديماً، ويقول: عاش أهالي شرم في منازل مبنية من الحجارة والطين المطعم بالحصى وسعف النخيل وكان عددها لا يتعدى 13 منزلاً، تضم الأهالي الذين كانوا لا يتجاوزون 30 فرداً، كما عاش بعضهم في بيوت العريش التي كانت تقام في فصل الصيف على الساحل البحري للمنطقة، وظل العيش في هذه المنازل حتى عام 1976 أي ما بعد قيام الاتحاد، ومنذ تلك الفترة بنيت لنا المنازل الشعبية الحديثة المجهزة بخدمات الماء والكهرباء، أما في الحاضر زاد عدد سكان القرية حتى أصبح هناك نحو 50 بيتاً تضم نحو 100 فرد، بمكرمة من أصحاب السمو حكام الدولة. ويضيف: الحياة كانت صعبة وقاسية، فلم يكن هناك أي نوع من الخدمات الموجودة في وقتنا الحاضر، فلم تكن هناك مواصلات بخلاف الدواب من الخيل والبعير والحمير، ولا منازل حديثة تحمينا من المناخ، كما لم يكن هناك مدارس، ولا مستشفيات، حيث كان التعليم يقوم على المطوع، والعلاج كان يتم بالتداوي بالأعشاب الطبية البرية واستخدام الوسم والحجامة في علاج الأمراض. ويتابع، قائلاً: الحياة في الماضي تميزت بوجود البركة وصلة الرحم والاحترام والمحبة بين الجميع، فهنا الجميع يعيش وفق العادات والتقاليد العربية، ولم يكن لأي عدد من الأسرة أن يتناول الطعام إلا بوجود الأب أو رب الأسرة وجميع أفرادها، والحياة كانت تسير بالتكافل بين الجميع واحترام الصغير للكبير وإشفاق الكبير على الصغير ولا يزال الأهالي يحافظون على تلك العادات الأصيلة. وعن الحالة الاجتماعية قديماً، يقول الوالد غريب علي: هناك فرق كبير بين الحياة في الماضي والحاضر، إذ اعتمد الأهالي في الماضي على الزراعة وتربية المواشي وبعضهم احترف مهنة الغوص وركوب البحر، أما في الحاضر يتجه الأهالي إلى العمل في المؤسسات والدوائر الحكومية التي أسست بمختلف مناطق ومدن إمارة الفجيرة، التي وفرت مهناً لعدد لا بأس به بعدما كان التركيز في السابق على العمل بالمهن التقليدية القديمة، وأهمها ركوب البحر والزراعة وجمع الحطب وصناعة السخام. ويشير مبارك الحمودي، أحد سكان المنطقة، إلى أن التعليم في الماضي في منطقة شرم كان مسؤولية المطوع الذي يحفّظ الأطفال القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية، إضافة إلى موضوعات فقهية واجتماعية ويعلمهم الكثير من جوانب الحياة اليومية، ويجمع أبناء المنطقة والمناطق المجاورة داخل بيت مبني من سعف النخيل (العريش)، أو تحت شجرة السدر الكبيرة التي كان كل أهالي مناطق دبا يعرفونها، وكان يتقاضى أجراً بسيطاً، إما التمر أو الحطب أو بعض احتياجات الحياة اليومية، لكن بعد قيام الاتحاد انتشرت المدارس لكل المراحل الدراسية وأصبحت المدارس مجهزة بكل الوسائل التعليمية والكوادر التعليمية، مشيراً إلى أن التطورات في المنطقة لم تقتصر على التعليم، وشملت كل الجوانب بفضل اهتمام القيادة الرشيدة التي لم تقصر في تقديم أي خدمات أو احتياجات للأهالي. ناصر عبيد، أحد سكان المنطقة، يقول: عاش في شرم عدد من القبائل ذات الجذور العربية الأصيلة التي شكلت في مجملها مجتمعاً هادئاً يعيش على العادات والتقاليد الأصيلة، وامتهنوا أعمال الصيد وركوب البحر والقيام بأعمال الزراعة بأنواعها وتربية الحيوانات وجمع الحطب وبيعه. وفي الماضي عُرف الأهالي بامتهان الغوص على اللؤلؤ، إذ كان التجار يأتون إلينا هنا لشراء اللؤلؤ وينقلونه إلى دبي لبيعه. أما النخيل، فكان عدد المزارع وصل ذات يوم إلى نحو 100 مزرعة تنتج أجود وأفضل أنواع التمور في الساحل الشرقي، لخصوبة الأرض. الطبيعة الجبلية والبحرية الخلابة لمنطقة شرم والأودية والشلالات في موسم الشتاء تعد عاملاً أساسياً لجذب السياح والزوار للتمتع بهذه المناظر التي تبقى خالدة في الذاكرة على مر العصور، تذكر الأجيال الجديدة بماضي الأهالي الذين عاشوا على أرضها، بحسب ما يقوله محمد علي الزيودي، أحد سكان شرم. الذي يشير إلى أن الهدوء الذي يميز المنطقة ووقوعها بين الجبال ذات الألوان المختلفة على الساحل البحري، أسهم كثيراً في جعلها مقصداً للباحثين عن صفاء النفس والجو المعتدل. ويقول محمد حميد الزيودي، أحد السكان: وجود شرم على الطريق العام الذي يربط مدينتي خورفكان ودبا الفجيرة، فضلاً عن هدوئها وخضرتها وشواطئها الرملية الناعمة جعلها تستقطب سنوياً مئات آلاف الزوار من مختلف أرجاء العالم الذين يأتون للتخييم في ربوعها البحرية والجبلية الخلابة.
مشاركة :