الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره

  • 2/19/2016
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

الركن السادس من أركان الإيمان بهذا الدين الحنيف هو الإيمان بالقضاء والقدر،‮ ‬ولا‮ ‬يصح الإيمان إلاّ‮ ‬بالاعتقاد الجازم به،‮ ‬فمن أنكر هذا الركن فإنه‮ ‬يكفر ويخرج من الدين‮.‬ ‮‬والإيمان بالقدر‮ ‬يعني‮ ‬الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه،‮ ‬والأصل أن‮ ‬يؤمن المرء بقضاء الله وقدره، وأن‮ ‬يمسك لسانه عن الخوض في دقائق القدر لعدم جدوى الخوض فيها،‮ ‬والأجدى من ذلك التوجه إلى أداء الأفعال المرضية لله تعالى وترك ما لا‮ ‬يرضيه‮. ‬ ‮‬والإيمان بالقدر ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية،‮ ‬ففي‮ ‬القرآن الكريم، قال تعالى‮ ‬مَا كَانَ‮ ‬عَلَى النّبِيِ‮ ‬مِنْ‮ ‬حَرَجٍ‮ ‬فِيمَا فَرَضَ‮ ‬ اللّهُ‮ ‬لَهُ‮ ‬سُنَةَ‮ ‬اللّهِ‮ ‬فِي‮ ‬الَذِينَ‮ ‬خَلَوْا مِن قَبْلُ‮ ‬وَكَانَ‮ ‬أَمْرُ‮ ‬اللَهِ‮ ‬قَدَراً مَقْدُوراً‮، (‬الأحزاب ‮٨٣‬). وفي‮ ‬السنة النبوية قال صلى الله عليه وسلم‮: ‬المؤمن القوي‮ ‬خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي‮ ‬كل خير،‮ ‬احرص على ما‮ ‬ينفعك واستعن بالله ولا تعجز،‮ ‬فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني‮ ‬فعلت كذا وكذا،‮ ‬ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإنَ‮ ‬لو تفتح عمل الشيطان‮ ‬رواه مسلم‮. ‮‬ويمكن تعريف القدر بأنه ما قدره الله تعالى للمخلوقات قبل خلقها بناء على علمه وإرادته ومشيئته،‮ ‬ثم كتابته سبحانه كل ما قدره لها في‮ ‬اللوح المحفوظ لعلمه سبحانه بأنها ستقع في‮ ‬أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة،‮ ‬ثم قضى بجريانها في‮ ‬الواقع حسب ما قدرها بناء على ربط الأسباب بالمسببات،‮ ‬قال تعالى‮: ‬مَا أَصَابَ‮ ‬مِنْ‮ ‬مُصِيبَةٍ‮ ‬فِي‮ ‬الأَرْضِ‮ ‬وَلا فِي‮ ‬أَنْفُسِكُمْ‮ ‬إِلاَ‮ ‬فِي‮ ‬كِتَاب ‬مِنْ‮ ‬قَبْلِ‮ ‬أَنْ‮ ‬نَبْرَأَهَا إِنَ‮ ‬ذَلِكَ‮ ‬عَلَى اللَهِ‮ ‬يَسِير، (الحديد‮: ٢٢). ‬ ‮‬والإيمان بالقدر هو ثمرة إيمان العبد بوجود الله سبحانه وتعالى وبأنه‮ ‬يتصف في‮ ‬أسمائه وصفاته وأفعاله بالجلال والكمال الذي‮ ‬لا‮ ‬يعتريه أي‮ ‬نقصٍ‮ ‬ بتاتاً‮: ‬ } ‬الإيمان بعلم الله عز وجل، العلم الأزلي‮ ‬القديم المحيط بكل شيء؛ وبأنه لا‮ ‬يعزب عنه مثقال ذرة في‮ ‬السموات ولا في‮ ‬الأرض،‮ ‬قال تعالى‮: ‬قُلْ‮ ‬إِنْ‮ ‬تُخْفُوا مَا فِي‮ ‬صُدُورِكُمْ‮ ‬أَوْ‮ ‬تُبْدُوهُ‮ ‬يَعْلَمْهُ‮ ‬اللَهُ‮ ‬وَيَعْلَمُ‮ ‬مَا فِي‮ ‬السَمَاوَاتِ‮ ‬وَمَا فِي‮ ‬الأرْضِ‮ ‬وَاللَهُ‮ ‬عَلَى كُلِ‮ ‬شَيْءٍ‮ ‬قَدِيرٌ، (‬آل عمران‮: ٩٢‬). }‬الإيمان بأنه سبحانه وتعالى سميع‮ ‬يحيط سمعه بكل شيء من المسموعات،‮ ‬وبصير‮ ‬يحيط بصره بكل شيء من المرئيات،‮ ‬قال تعالى‮: سُبْحَانَ‮ ‬الَذِي‮ ‬أَسْرَى بِعَبْدِهِ‮ ‬لَيْلاً‮ ‬مِنَ‮ ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ‮ ‬إِلَى الْمَسْجِدِ‮ ‬الأَقْصَى الَذِي‮ ‬بَارَكْنَا حَوْلَهُ‮ ‬لِنُرِيَهُ‮ ‬مِنْ‮ ‬آَيَاتِنَا إِنّهُ‮ ‬هُوَ‮ ‬السَمِيعُ‮ ‬الْبَصِيرُ‮، (الإسراء‮: ١‬). ‬ ‮} ‬الإيمان بقدرة الله ومشيئته وأنه عز وجل‮ ‬يفعل ما‮ ‬يختار وما‮ ‬يريد،‮ ‬وبأن كل ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬هذا الكون ‬يجري‮ ‬بمشيئته سبحانه وتعالى: ‬وَمَا تَشَاءُونَ‮ ‬إِلا أَنْ‮ ‬يَشَاءَ‮ ‬اللّهُ‮ ‬رَبّ‮ ‬الْعَالَمِينَ‮، ‬(التكوير‮: ٩٢‬). ‮‬ولكن، لا‮ ‬يجوز لأحد أن‮ ‬يتذرع بقدر الله ومشيئته لتبرير اختياره الكفر على الإيمان أو ارتكابه المعاصي‮ ‬وتركه الفرائض والطاعات،‮ ‬قال تعالى‮: ‬سَيَقُولُ‮ ‬الَذِينَ‮ ‬أَشْرَكُوا لَوْ‮ ‬شَاءَ‮ ‬اللّهُ‮ ‬مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ‮ ‬شَيْءٍ‮ ‬كَذَلِكَ‮ ‬كَذّبَ‮ ‬الَذِينَ‮ ‬مِنْ‮ ‬قَبْلِهِمْ‮ ‬حَتَى ذَاقُوا بَأسَنَا قُلْ‮ ‬هَلْ‮ ‬عِنْدَكُمْ‮ ‬مِنْ‮ ‬عِلْمٍ‮ ‬فَتُخْرِجُوهُ‮ ‬لَنَا إِنْ‮ ‬تَتَّبِعُونَ‮ ‬إِلاَ‮ ‬الظّنَ‮ ‬وَإِنْ‮ ‬أَنْتُمْ‮ ‬إِلاَ‮ ‬تَخْرُصُونَ‮، (‬الأنعام: ‮٨٤١‬). والقدر ثلاثة أنواع‮: ‬نوع لا قدرة للإنسان على رده،‮ ‬ويدخل في‮ ‬ذلك نواميس الكون وقوانينه وما‮ ‬يجري‮ ‬على العبد من مصائب وابتلاءات، وما‮ ‬يتعلق بالرزق والأجل والصورة التي‮ ‬عليها والنسب الذي‮ ‬ينتمي‮ ‬إليه والبيئة التي‮ ‬يعيش فيها،‮ ‬قال تعالى‮: ‬وَلِكُلِّ‮ ‬أمَةٍ‮ ‬أَجَلٌ‮ ‬فَإِذَا جَاءَ‮ ‬أَجَلُهُمْ‮ ‬لا‮ ‬يَسْتَأخِرُونَ‮ ‬سَاعَةً‮ ‬وَلا‮ ‬يَسْتَقْدِمُونَ‮، (الأعراف: ‮٤٣‬)،‮ ‬وهذا النوع من الأقدار لا حساب عليه، لأنه خارج عن إرادة العبد وقدرته في‮ ‬دفعه عن نفسه‮.‬ ‮‬والنوع الثاني‮ ‬من القدر لا قدرة للإنسان على إلغائه، ولكن‮ ‬يمكنه تخفيف حدته وتوجيهه مثل الغريزة والصحبة والبيئة والوراثة: ‮} ‬فالغريزة مثلاً‮ ‬لا‮ ‬يمكن للمرء كبتها أو إلغاؤها من كيانه، ولم‮ ‬يؤمر بذلك، وإنما أمر بتوجيهها إلى الحلال الذي‮ ‬أذن الشرع به وحث عليه وكتب عليه الأجر. } ‬والبيئة التي‮ ‬يولد فيها الإنسان وينشأ ويعيش لا‮ ‬يمكنه اعتزالها بسهولة ولم‮ ‬يؤمر بذلك،‮ ‬وإنما أمر بتغييرها والانتقال منها إلى بيئة أكرم وأطهر عند الضرورة،‮ ‬قال تعالى‮: إِنَ‮ ‬الَذِينَ‮ ‬تَوَفّاهُمُ‮ ‬الْمَلائِكَةُ‮ ‬ظَالِمِي‮ ‬أَنفُسِهِمْ‮ ‬قَالُوا فِيمَ‮ ‬كُنتُمْ‮ ‬قَالُوا كُنَا مُسْتَضْعَفِينَ‮ ‬فِي‮ ‬الأرْضِ‮ ‬قَالُوا أَلَمْ‮ ‬تَكُنْ‮ ‬أَرْضُ‮ ‬اللَهِ‮ ‬وَاسِعَةً‮ ‬فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأوْلَئِكَ‮ ‬مَأوَاهُمْ‮ ‬جَهَنّمُ‮ ‬وَسَاءَتْ‮ ‬مَصِيراً، (النساء‮:٧٩‬). ‮‬والنوع الثالث من أنواع القدر فللعبد القدرة على دفعه ورده،‮ ‬فهي‮ ‬أقدار متصلة بأعماله الاختيارية التي‮ ‬يترتب عليها الثواب والعقاب،‮ ‬لأن العبد هنا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يفعلها أو‮ ‬يتركها،‮ ‬‬كالصوم والصلاة والبر بالوالدين والجهاد وعصيان أوامر الله وفعل المنكرات وترك الفرائض والعدوان على الحقوق،‮ ‬ويدخل في‮ ‬ذلك رد الأقدار بالأقدار،‮ ‬فالمرض مثلاً‮ ‬قدر، لكن‮ ‬يمكننا أن ندفعه عن أنفسنا بقدر التداوي. ‬‬د. تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

مشاركة :