ودائع السودانيين تضيع في متاهة شلل النظام المصرفي

  • 5/20/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يواجه السودانيون محنة فقدان ودائعهم إلى الأبد مع توقف النظام المصرفي بالبلاد عن العمل جراء الاضطراب الأمني، مما يدخلهم في متاهة أعمق قد تؤثر على ظروفهم المعيشية القاسية أصلا، وسط غياب تام لأي مؤشرات على حل المشكلة قريبا. الخرطوم - بثت حالة الفوضى التي يشهدها السودان منذ أسابيع الهلع بين المودعين الذين وجدوا أنفسهم في ورطة بسبب شلل النظام المصرفي، حيث لا يعلم أحد موعد عوته إلى الخدمة مرة أخرى. وبعد شهر من الحرب، توقف النظام المصرفي، الذي كان بالكاد يحاول النهوض من أزماته المتراكمة لسنوات عقب الإطاحة بنظام عمر البشير في عام 2019. وتدور رحى أعنف اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في العاصمة الخرطوم، وتسببت في إغلاق المطار والمصارف وانقطاع الكهرباء عن الشركات وتعطيل الشحن بعد تعرض مكاتب ومصانع ومخازن للنهب على يد مسلحين. وتعرضت خزائن معظم فروع البنوك بالبلاد للنهب في ظل إدارة غائبة وحسابات لا يمكن الوصول إليها جراء انقطاع الإنترنت والكهرباء، مما فاقم معاناة المواطنين المنهكين أصلا من تبعات عدم الاستقرار السياسي. وعلى الأرض، جلس إبراهيم سعيد وهو يحاول أن يغطي رأسه لشدة حرارة الشمس، التي تجاوزت أربعين درجة أمام فرع بنك الخرطوم بمدينة مدني حيث تقيم الآن مئات من العائلات الفارة من القتال المستمر في العاصمة السودانية. محمد عبدالعزيز: الموظفون عاجزون عن الوصول إلى السيرفرات وتشغيلها محمد عبدالعزيز: الموظفون عاجزون عن الوصول إلى السيرفرات وتشغيلها وقال سعيد لفرانس براس “جئت من السابعة صباحا والآن انتصف النهار على أمل أن أحصل على قروش من حسابي”. وبالقرب منه، تزاحم العشرات من الرجال والنساء تحت أشعة الشمس الحارقة فيما كان عدد من رجال الشرطة يحاولون تنظيمهم أمام فرع أكبر البنوك السودانية. وقالت إشراقة الريح “أحيانا يفتح البنك أبوابه بعد الثالثة بعد الظهر ويسمحون بدخول أعداد محدودة جدا، وإن لم يحالفك الحظ تأتي في اليوم الذي يليه وأنا أتردد إلى هنا منذ ثلاثة أيام”. وأضافت “هربنا من القتال ولا طريقة لدينا للحصول على المال سوى من حسابنا المصرفي”. ولم يكن أحمد عبدالعزيز وهو موظف لديه حساب في بنك أم درمان الوطني أحسن حالا من بقية المودعين، حيث بدت عليه علامات التشاؤم من وضعية قد تطول أكثر وتجعله يعجز عن توفير احتياجات أسرته. وقال عبدالعزيز وهو يقف أمام فرع المصرف في مدني رغم أن أبوابه مغلقة “أصبحنا في حيرة من أمرنا، فأموالنا في البنوك ولا نستطيع الحصول عليها”. وبسبب المواجهات التي أدت إلى مقتل ألف شخص وأرغمت مليونا آخرين على ترك منازلهم، توقفت عمليات نقل الأموال، وبالتالي لا يستطيع موظفو البنوك إلا منح عدد محدود من العملاء كمية قليلة من النقود. وقال اتحاد المصارف السودانية في بيان أصدره قبل أيام إن رؤساء المصارف يسعون “لاستعادة الخدمات بولاية الخرطوم حال توافر الظروف المواتية لذلك”. وتعرض عدد من فروع البنوك في مختلف أنحاء الخرطوم لعمليات نهب بعد أن قام مسلحون بكسر أقفالها واستولوا على ما فيها من أموال. ولا توجد معطيات دقيقة من الجهات الرسمية بما ذلك اتحاد المصارف بشأن كمية الأموال التي نهبت، ما يعقد مهمة توفيرها لاحقا في حال هدأت الأوضاع. حصيلة لا تكفي حصيلة لا تكفي كما أنه لا أحد يعرف ماذا تبقى من هذه المبالغ. فكل يوم هناك صور جديدة تنشر على الإنترنت لخزائن سرقت محتوياتها ومصارف نهبت. وشرح محمد عبدالعزيز الخبير المصرفي الوضع الراهن. وقال “تتركز سيرفرات المصارف (أنظمة الحاسب الآلي) التي تتحكم في عملها في المقار الرئيسية في الخرطوم”، موضحا أن “الموظفين لا يستطيعون الوصول إليها وتشغيلها بسبب القتال”. وأضاف لفرانس برس “كما أن الفروع في الولايات (المحافظات) فقدت الاتصال بإدارات المصارف، التي تعطيها الموافقة على العمليات”. ◙ اتحاد المصارف أكد في بياناته أن أرصدة المودعين ومعلوماتهم المالية محفوظة بكاملها ◙ اتحاد المصارف أكد في بياناته أن أرصدة المودعين ومعلوماتهم المالية محفوظة بكاملها وقال أحد موظفي البنك السوداني الفرنسي طالبا عدم كشف هويته لأنه غير مخول الحديث “لا نستطيع القيام بعمليات تحويل الأموال من حساب إلى آخر والمقاصة بين البنوك متوقفة تماما”. وأوضح عبدالعزيز أن البنوك المحلية “فقدت التواصل تماما مع البنوك الخارجية منذ بدء الحرب، والوضع الحالي يؤدي إلى حالة كساد في الاقتصاد تزيد من معاناة المواطنين”. ورغم هذا التوقف، قرر الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش والحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب أكتوبر 2021 تغيير محافظ البنك المركزي، وأعلن تجميد كل الحسابات المصرفية لقوات الدعم السريع، التي يقودها خصمه محمد حمدان دقلو. غير أن الخبراء يتساءلون عن جدوى هذه القرارات إذا كانت الدولة قد عجزت في نهاية أبريل الماضي عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين. وكان عقدان من الحظر الأميركي المشدد كافيين لجعل النظام المصرفي شبه متهالك، علما أن البلاد لا تزال مدرجة على قائمة الدول المانحة بوصفها من “الدول الفقيرة المدينة للغاية”. ولا يتيح النظام المصرفي السوداني أي مدفوعات بالبطاقات الائتمانية، ولا التحويلات الدولية بين الأفراد رغم بروز محاولات في السنوات الماضية لإدخال هذه الخدمات إلى البنوك. ◙ 37 بنكا تعمل في السوق بينها 4 مملوكة للدولة تتحكم في 14 في المئة من الأصول المصرفية ويضم السودان إجمالا 37 بنكا من بينها أربعة بنوك مملوكة للدولة تتحكم في 14 في المئة من الأصول المصرفية، وسبعة بنوك أجنبية تمتلك 23 في المئة من الأصول المصرفية في البلاد، بحسب صندوق النقد الدولي. وفي نهاية 2019، كان إجمالي هذه الأصول يعادل 11.8 مليار دولار وكان صندوق النقد يعتبر أن النظام المصرفي السوداني “هش” مع وجود العديد من البنوك، التي يقل رأسمالها عن الحد الأدنى المتعارف عليه. ومنذ الأسبوع الأول للقتال، اتهم الجيش قوات الدعم السريع بـ “سرقة مبالغ فلكية” من وكالة تابعة للمصرف المركزي في الخرطوم. غير أن اتحاد المصارف لا يتوقف عن إصدار بيانات “يطمئن فيها العملاء إلى أن ودائعهم في الحفظ والصون”، ويؤكد أن “أرصدتهم ومعلوماتهم المالية محفوظة بكاملها”. وفي انتظار عودة العمل في المصارف، فإن إبراهيم وإشراقة وأحمد والآخرين يتعين عليهم شراء الدقيق بسعر أعلى مرتين مما كان عليه قبل الحرب والوقود بسعر يزيد عشرين مرة بقليل من النقود المتبقية لهم.

مشاركة :