أجمع أساتذة ومحامون ودبلوماسيون على تجريم الاعتداء على الوالدين، مستشهدين بأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، إضافة إلى قرار صادر عن وزارة الداخلية، وذلك في ظل تزايد جرائم الاعتداء على الوالدين. وأوضح محاضر النظام الجنائي وحقوق الإنسان بكلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو برنامج الأمان الأسري وفريق طفولة آمنة "ماجد الفيصل": "أنَّ اعتداء الإنسان على آخر يشكِّل جريمة، فكيف بالاعتداء على والديه، وهما من كانا سببًا في وجوده بمشيئة الله تعالى، ومن ثم رعايته وتربيته والإنفاق عليه، بالتأكيد فإنَّ مكانتهما من هذا الابن أو البنت العاقة سبب لتشديد العقوبة الجزائية. والعقوبات التي قد يواجهها الأبناء العاقُّون تتم وفق تصنيف الجرائم بحسب جسامتها في التشريع الجنائي الإسلامي". وأضاف "الفيصل": "تعد بداية من جرائم القصاص إلى جرائم التعازير، فدرجة القرابة التي هي من الدرجة الأولى بين الآباء والأبناء؛ هي سبب معتبر في تشديد العقوبة على الجاني دائمًا، وقد يستمر توقيف الجاني أو الجانية من الأبناء العاقين من وقت القبض عليهما إلى محاكمتهما، فضلاً على إمكانية عدم شمولهما بتعليمات العفو حال الإدانة بالعقوق. يجب أن يعلم الأبناء العاقون أنَّ النظام الجزائي السعودي خاضع لأحكام الشريعة الإسلامية التي أفردت مكانة عظيمة للوالدين، ولا تتساهل الدولة في انتهاك تلك المكانة؛ حيث إن منبعها كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. قد يربط البعض بين التقصير بالتربية وبين ارتكاب جريمة عقوق الآباء، والحقيقة هي أنَّه حتى مع تقصير الآباء بتربية الأبناء، فإنَّ ذلك لا يبيح للأبناء عقوق آبائهم، وإنَّ من يرتكب جريمة العقوق من الأبناء سوف يكون محلاً للمسؤولية والعقاب الجزائي. وبالتأكيد فإنَّ دعوى العقوق كسائر الدعاوى الجزائية، فيما يتعلق بالإثبات الجزائي؛ حيث يستعين المدعي العام بأدلة الإثبات، سواء كانت شهادة شهود أو إقراراً أو قرائن. فضلاً على أنَّ المختص بتحريك الدعوى الجزائية ضد الجاني هو هيئة التحقيق والادعاء العام التي تتمتع بسلطة ملائمة كبيرة في تحريكها أو حفظها متى رأت موجبًا لمحاكمة الجاني. وحرصت السلطة التنظيمية تاريخيًّا على وحدة الأسرة دائمًا في المجتمع المسلم ودعم موجبات ذلك، وأكدت على ذلك صراحة في النظام الأساسي للحكم وفي سائر الأنظمة المعنية بالأسرة وأيضًا في سياق السلطة الملائمة التي تتمتع بها هيئة التحقيق في القضايا الأسرة. ومع ذلك فالدولة لا تقبل أي تساهل عندما يتعلق الموضوع بانتهاكات تلك الحقوق أو الإصرار على مثل هذه الجرائم أو نحوه. خلاصة القول: أنه يجب أن يعي الأبناء أن بر الوالدين كما أنه واجب شرعي ويترتب على انتهاكه المعصية والإثم؛ فإنه أيضًا يترتب عليه عقوبات جزائية تصل إلى السجن والجلد، وهي عقوبات لا يستهان بها ولا يجدي معها أيضًا تنازل الآباء عن حقهم الخاص متى قررت هيئة التحقيق والادعاء العام تحريك الدعوى الجزائية في مواجهتهم فيما يتعلق بالحق العام. وأخيراً أهيب بمؤسسات التعليم كما تحرص على توعية الأبناء بمكانة بر الوالدين، أن تحرص أيضًا على توعيتهم بالعواقب والعقوبات الجزائية التي قد تترتب على مخالفة هذا الحكم الشرعي ببر الوالدين وصحبتهما بالمعروف. من جانبه قال المحامي "الدكتور أحمد بصراوي": إن بر الوالدين أمر أخلاقي في المقام الأول عززه الشرع، وظواهر العقوق وانتشارها دليل على وجود تدهور أخلاقي بشكل كبير، إلا أنه بكل صراحة مفهوم البر والعقوق من المفاهيم الشائكة وكم من الوالدين أساؤوا لأبنائهم وتعسفوا في الحماية عبر الشكاوى الكيدية". وأشار إلى أنَّ: "الأمور الأخلاقية تواجه تحديًا كبيرًا عندما يتم تقنينها، وينبغي الالتفات لهذا الأمر؛ فالبر عند البعض هو الرضوخ لإرادة الوالدين في أمور لا تخصهم، وليست من شأنهم"، مؤكِّدًا أنَّ ما نشهده اليوم هو ظاهرة ثقافية وتغير في كثير من المفاهيم". أمَّا رئيس الدائرة الإعلامية بوزارة الخارجية السفير "أسامة النقلي" فيقول: "أعتقد أنَّ الوالدين أيضًا يتحملان مسؤولية العقوق، خصوصًا عندما يستكينون إلى فضل بر الوالدين الذي يقترب من العبادة، دون أن يبذلوا أي مجهود لمساعدة أبنائهم، والإنسان يولد على الفطرة، وأبواه إما ينصِّرانه أو يهوِّدانه أو يمجِّسانه، وهذا المبدأ ينسحب على جميع المناحي التربوية". وترى الباحثة القانونية في هيئة حقوق الإنسان "الجوهرة الغامدي": "أنَّ هناك تعدد أشكال عقوق الوالدين انتشر بشكل مخيف في مجتمعنا في الآونة الأخيرة، وهناك أمثلة لا يكاد يصدقها أو يتصورها العقل، يدمع لها القلب قبل العين، يقتل الولد والده أو والدته بدم بارد". وأرجعت أسباب هذا العقوق إلى البعد عما أمر الله به من إحسان وطاعة وبر، متناسيًا أن الله قرن طاعته بطاعة الوالدين "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا..."؛ لما لهما من فضل وحق عظيم على أبنائهم، وأيضًا لتعاطي المخدرات، أو إرضاء الآخرين مثل الزوج يعق والديه من أجل زوجته، وقد يكون للآباء دور كبير في عقوق آبنائهم؛ لأنَّهم في الأصل كانوا عاقين بوالديهم، ونشأ أبناؤهم على هذه التربية، وفي حالة انفصال الأبوين هناك البعض منهم يحرض الأبناء على الآخر، ويصوره في أبشع الصور؛ ليظفر هو بحب ابنه، ولو كان على حساب استقرار نفسية ابنه، أو يعمد إلى إهماله انتقامًا من الطرف الآخر، فيكبر الأبناء وهم في حالة من الازدواجية التي تجعلهم لا يشعرون بالحب والانتماء تجاه والديهم ويصبحون عاقين بهم، وقد يكون عقوق الآباء لأبنائهم هو ما ساهم بهذا العقوق من خلال المعاملة القاسية أو الإهمال وعدم احتوائهم أو البخل وعدم معرفة أصحابهم، وبعد ذلك يبدأ الوالدان بالشكوى من عدم برهم وعقوقهم من قبل أبنائهم ويلقي اللوم وحده على الأبناء، متجاهلاً أنَّه هو من قادهم لهذا العقوق". وقالت المحامية "ريم العجمي": "إنَّ الله تعالى أوصى بالإحسان إلى الوالدين وطاعة أوامرهم وبرهم، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام، عندما جاء رَجُلٌ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟، قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. لكن ما نراه اليوم من بعض الأبناء العقوق إلى الوالدين، إمَّا بالضرب أو إهمالهم أو بشتمهم أو سبهم، فنرى أنَّه هناك قضايا عقوق من الوالدين ضد أبنائهم، ولكن إلى أن تصل للشرطة أو تتحول للقضاء، نرى أحد الوالدين وبسبب طبيعتهم يجعلهما يتنازلان عن شكواهما، وبسبب مكانة الوالدين جعل المشرع السعودي ضربَ الوالدين من الجرائم الموجبة للتوقيف، أسبابها تفكك الأسرة ومحاولة أحد الوالدين استمالة أولادهم إلى جانبهم، وكذلك "التدليع" الزائد، وكذلك العنف الذي يتعرَّض له الأبناء وتعاطي المخدرات والمسكر". ويقول المحامي "بدر الدبيان": "إنَّ القرار الوزاري رقم ٢٠٠٠ الصادر من وزارة الداخلية جعل الاعتداء على الوالدين من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف والوالدين بالقرار لا تشمل الأب والأم فحسب، بل الاعتداء على الجد والجدة وإن لم تحدث إصابة أو مدة شفاء جعلها من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف ما لم يتم التنازل".
مشاركة :