بينما تواصل أسعار الغاز الطبيعي المسال تراجعها، لا يبدو أن كبار المشترين يظهرون أي تراجع على تنافسهم للحصول على عقود وصفقات طويلة الأجل، إذ يدرك أغلبهم أهميتها فهي تحميهم من تقلبات السوق، ووحده الاتحاد الأوروبي يلتزم قادته بالصفقات الفورية ما يجعله مضطرا إلى توفير احتياجاته بأسعار مرتفعة. واشنطن - تسعى الدول عبر كافة أنحاء العالم للحصول على شحنات طويلة الأجل من الغاز الطبيعي المسال، في سوق لا تزال أسعاره متذبذبة. وبلغت مخزونات الغاز الطبيعي المسال العالمية مستوى مرتفعا قياسيا مع تراجع الطلب. ويختار المشترون الجادون أثناء ذلك التطلع إلى الأمام وإبرام صفقات توريد طويلة الأجل لتأمين ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال للمستقبل دون تعريض أنفسهم لتقلبات السوق الفوري. والأسبوع الماضي شهدت أسعار الغاز الطبيعي المسال أدنى مستوى لها منذ عامين بسبب تراجع الطلب مع ارتفاع درجات الحرارة وامتلاك الأسواق الأوروبية مخزونات مريحة. وتتسابق أوروبا مع كبار المشترين لاستبدال الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية ليحل محله الغاز الطبيعي المسال. وبعد أن كان قادة الاتحاد الأوروبي قبل عدة أعوام، مقتنعين بأن أسواق الغاز الطبيعي الفورية هي السبيل الوحيد للمضي قدما لتلبية حاجة الاتحاد من الغاز، حيث كان الغاز رخيصا ومتوافرا بكميات تفوق حاجة السوق، قد يتجهون الآن نحو العقود طويلة الأجل لتجنب اضطرابات الأسعار. إيرينا سلاف: الأوروبيون مضطرون إلى دفع أسعار أغلى للغاز الذي يحتاجونه بشدة إيرينا سلاف: الأوروبيون مضطرون إلى دفع أسعار أغلى للغاز الذي يحتاجونه بشدة وفي حين قد لا يكون الأوروبيون من أشدّ المعجبين بالصفقات طويلة الأجل بسبب خططهم الانتقالية، يميل الآسيويون لصفقات الغاز الطبيعي المسال من هذا النوع. وتشاركهم هذا النهج الشركات الكبرى التي ستبيع هذا الغاز الطبيعي المسال بعد ذلك للأوروبيين الذين لا يختارون هذه الصفقات. وشهدت السنة الحالية إبرام صفقات طويلة الأجل بقيمة حوالي 13 مليون طن سنويا، وفقا لوود ماكنزي، المجموعة العالمية لأبحاث واستشارات الطاقة، مع استمرار زخم العام الماضي. وقالت الشركة البحثية إن 2022 شهد التعاقد على نحو 81 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا بموجب صفقات توريد طويلة الأجل. ومن بين الصفقات التي نجح توقيعها هذا العام عقد الصين لمدة 20 عاما مع فنيو غلوبال الذي سيوفر مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا لشركة تشاينا غاز القابضة بدءا من 2027. كما أبرمت الشركة الصينية صفقة مدتها 25 عاما مع شركة إنرجي ترنسفر لتسليم 700 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا. وإضافة إلى الصين، تعد الهند هي الأخرى من مشتري الغاز الطبيعي المسال الكبار وتهتم بالتوريد على المدى الطويل. وذكرت منصة بلومبرغ خلال الأسبوع الحالي أن مستوردي الطاقة الهنود كانوا يسعون لإبرام صفقات طويلة الأجل لتقليل التعرض لتقلبات الأسعار، وكانوا يجرون محادثات مع منتجين من الشرق الأوسط. تبع الاندفاع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية في العام الماضي بعد أن سارع الاتحاد الأوروبي إلى تأمين أكبر قدر ممكن من الوقود، مما دفع إلى ارتفاع الأسعار الدولية إلى درجة اضطرار بعض الدول إلى التحول إلى الفحم لتوليد الطاقة لعجزها عن توفير الغاز المسال. وقال الرئيس التنفيذي لشركة بترونت الهندية أكشاي كومار سينغ، خلال الشهر الحالي، ووفقا لما نقلته بلومبرغ، إن “الدرس الذي تعلمه المستهلكون هو أنهم لا يستطيعون إدارة الأعمال اعتمادا على العروض الفورية. سنرى من اليوم توقيع العديد من أصحاب المصلحة للعقود طويلة الأجل”. صورة وتعدّ اليابان كذلك من أكبر مشتري الغاز الطبيعي المسال. وتعتمد الدولة الفقيرة في الطاقة اعتمادا شبه كلي على الواردات لسد متطلبات استهلاكها الطاقي، ويشكل الغاز الطبيعي المسال جزءا كبيرا من مزيج الواردات. وتعد اليابان لهذا السبب أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث استعادت المركز الأول من الصين العام الماضي رغم انخفاض إجمالي وارداتها بقدر ضئيل. وتعد قطر وعمان من أشهر وجهات مشتري الغاز الطبيعي المسال وفقا لوود ماكنزي. وأبرمت عمان عددا من الصفقات طويلة الأجل خلال الأشهر القليلة الماضية مع مشترين شملوا مرافق يابانية، وشركات عملاقة، وشركة صينية، وشركة تركية. ولاحظت وود ماكنزي أن الأسعار تشهد ارتفاعا نتيجة لهذا الاهتمام المتجدد. وعادة ما ترتبط عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل بأسعار خام برنت. وبلغ متوسط التسعير في 2020 و2021 حوالي 10 في المئة من المعيار القياسي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ويطلب البائعون الآن 12.5 في المئة على الأقل عن خام برنت، مع وصول بعض الصفقات إلى 17 في المئة، حسب مؤسسة وود ماكنزي البحثة. ◙ المشترون يتطلعون إلى إبرام صفقات توريد طويلة الأجل لتأمين ما يكفي للمستقبل دون تعريض أنفسهم لتقلبات السوق الفوري وتقول المحللة الاقتصادية إيرينا سلاف في تقرير لها بموقع أويل برايس الأميركي إن مع وصول أسعار النفط إلى ما هي عليه اليوم، يُحتمل أن يرتفع الميل إلى صفقات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل، حيث قد يرغب البائعون في تثبيت أسعار النفط التي تنحو نحو الانخفاض مع توقعات بارتفاعها قبل نهاية السنة الحالية. لكن كلما زادت كميات الغاز الطبيعي المسال المحددة في العقود طويلة الأجل، كلما قل الغاز الطبيعي المسال الموجود في السوق الفورية. ويشير هذا إلى أن الأسعار قد تشهد ارتفاعا آخر في مرحلة تجديد العقود التي تنتهي صلاحيتها في غضون ثلاث سنوات أو أربع. ويبدو أن المستوردين الآسيويين الجادين بشأن أمن الطاقة يهيمنون على سوق الإمداد طويل الأجل، مما يترك الأوروبيين الساعين إلى التحول نحو طاقة الرياح والطاقة الشمسية مضطرين إلى دفع أسعار أعلى للغاز الذي تستمر حاجتهم إليه في الأثناء. وتتراوح الاحتياجات السنوية لدول الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي ما بين 340 و350 مليار متر مكعب. وفي السابق، أي ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من مقاطعة أوروبية للغاز الروسي، كان الغاز الروسي الرخيص هو المخزون الرئيسي لفصل الشتاء. وكانت اليابان حذّرت في نوفمبر الماضي من تصاعد حدة المنافسة العالمية على الغاز الطبيعي المسال في غضون السنوات الثلاث المقبلة جراء نقص الاستثمار في العرض. وبحسب مسح شمل الشركات اليابانية أجرته وزارة التجارة، بيعت عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل التي تبدأ قبل 2026. وتُعدّ مثل هذه الأنواع من العقود أساسية بالنسبة للمشترين، لأنها توفر استقرارا في الأسعار وإمدادات موثوقة لأعوام عديدة.
مشاركة :