قبل أسبوع تقريبا من انعقاد قمة مجموعة السبع لهذا العام، أفادت وسائل الإعلام في تقاريرها بأن الزمرة، التي تقودها الولايات المتحدة، من المتوقع أن تثير ضجة حول "الإكراه الاقتصادي" الصيني الذي اختلقته وذلك في بيان سيتم إصداره في حينه. إن عملية مطاردة الساحرات هذه لا معنى لها بقدر ما هي سخيفة بكل ما في الكلمة من معنى. فعندما يتعلق الأمر بـ"الإكراه"، تعتبر الولايات المتحدة هي الأكثر براعة فيه. ولا بد وأن يكون في نفوس حلفاء أمريكا بمجموعة السبع الكثير من الأمور التي يشعرون بالحنق تجاهها، نظرا لمدى استغلال واشنطن لهم أو استنزافها لهم على مر السنين. للعلم، تعد واشنطن أول دولة في العالم توصف سياستها الخارجية بأنها "قسرية". ففي عام 1971، طرح ألكسندر جورج، أستاذ بجامعة ستانفورد، مفهوم "الدبلوماسية القسرية" لتسمية السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه لاوس وكوبا وفيتنام. وعلى مدى العقود الماضية، تجاوزت الولايات المتحدة مرارا مفهوم الأمن القومي، وأساءت استخدام الضوابط المفروضة على الصادرات، واتبعت ممارسات قسرية ضد منافسيها المحتملين، وذلك كما يتضح من الانخراطات السابقة بينها وبين حلفائها في المعاهدات. ففي أعقاب طفرة اقتصادية حدثت في حقبة ما بعد الحرب، وقعت اليابان، التي كانت آنذاك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة مباشرة، على اتفاقية بلازا في عام 1985 مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ووقعت ضحية من خلال رفع قيمة الين الياباني، وبالتالي هوت إلى "عقودها الضائعة". ) بعد مرور حوالي 30 عاما، لم يعد مؤشر "نيكي 225"، وهو مؤشر لأسهم الشركات اليابانية الكبرى، بعد إلى الذروة التي بلغها عام 1989 ووصلت إلى حوالي 39 ألف، في حين أن مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية الثلاثة ارتفعت بواقع أكثر من ألف في المائة. والواقع أن الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة السبع ليست محصنة بأي حال من الأحوال ضد التنمر الاقتصادي الذي تمارسه واشنطن، إذ أصبحت شركة ((سيمنز)) الألمانية وشركة ((ألستوم)) الفرنسية فريسة سهلة للقمع الفائق الذي تمارسه القوة العظمى. وبالنسبة لهم، فإن توجههم إلى حث المتنمر على الامتناع عن القيام بأي أعمال أخرى تقوم على الإكراه أو الابتزاز، بدلا من التصرف كشركاء مكرهين أو خانعين، قد يشكل الخطوة المعقولة الأولى نحو هدفهم المعلن المتمثل في "حماية الأمن الاقتصادي". فحتى عام 2021، طبقت الولايات المتحدة أكثر من 9400 عقوبة وفرضت عقوبات اقتصادية أحادية الجانب على ما يقرب من 40 دولة في جميع أنحاء العالم، وهو ما أثر على ما يقرب من نصف سكان العالم. كما تعرضت الصين للإكراه الاقتصادي الأمريكي. فقد استخدمت واشنطن أعذارا مختلقة بهدف قمع صناعة التكنولوجيا الفائقة في الصين، وقامت بإدراج أكثر من ألف شركة صينية على قائمة العقوبات. وبالإضافة إلى إقرار قانون الرقائق والعلوم لعام 2022 ومجموعة شاملة من ضوابط تصدير التكنولوجيا ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين، ضغطت الولايات المتحدة أيضا على حلفائها لفرض قيود مماثلة بشأن مجموعة متنوعة من تكنولوجيا أشباه الموصلات مستهدفة في ذلك الصين. وفي توجهها إلى تضخيم تهمة "الإكراه الاقتصادي" التي لا أساس لها، ضمرت واشنطن في نفسها دافعين خفيين على الأقل وهما: تشويه سمعة الصين وإرغام حلفائها على الحد من الاعتماد الاقتصادي المتبادل. ولا شك أن الأمرين سيفشلان فشلا ذريعا لا محالة. فمن ناحية، لم تتبن بكين قط أي "إكراه اقتصادي" على الإطلاق؛ ومن ناحية أخرى، فإن قلة من بلدان العالم ستتجاهل فرص التنمية التي تتيحها الآفاق الاقتصادية المطردة للصين والتزامها بالانفتاح عالي المستوى. في الواقع، بينما تحاول الولايات المتحدة إغراء حلفائها ليقوموا بفك الارتباط عن الصين، تعمل العديد من الشركات الأوروبية على تسريع دخولها إلى ثاني أكبر سوق في العالم. فقد أظهرت بيانات أولية صادرة عن المعهد الاقتصادي الألماني ((آي دبليو)) أن الشركات الألمانية تزيد من استثماراتها في الصين. وقد نقلت وكالة أنباء ((رويترز)) عن فولفجانج نيدرمارك، عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الصناعات الألمانية، قوله إن "حقيقة أن السوق الصينية ستظل تلعب دورا مهما في المستقبل هي حقيقة لا جدال فيها". في شهر إبريل، رافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته للصين، وفدا تجاريا كبيرا، ضم شركة ((إيرباص)) الأوروبية لصناعة الطائرات، وشركة ((إل في إم إتش)) العملاقة للسلع الفاخرة، وأكبر شركة كهرباء فرنسية ((إي دي إف))، سعيا لتعزيز العلاقات التجارية. وفي شهر أبريل أيضا، وقعت شركة إيرباص وشركاؤها الصينيون اتفاقا لتوسيع قدرة التجميع النهائي لعائلة طائراتها من طراز "إيه 320" بخط ثان في موقعها بمدينة تيانجين شمالي الصين. وسوف يساهم خط التجميع الجديد في تحقيق هدف إيرباص المتمثل في إنتاج 75 طائرة من عائلة "إيه 320" شهريا بحلول عام 2026 عبر شبكة إنتاجها العالمية. في الواقع، لقد برزت الانقسامات بالفعل إلى الواجهة داخل مجموعة السبع بشأن المسائل المتعلقة بالصين. ففي منتصف شهر مايو، وبرغم الجهود التي بذلتها وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين للترويج لرواية "الإكراه الاقتصادي"، فإن البيان الذي صدر في أعقاب اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة السبع لم يذكر الصين على الإطلاق. تأسست مجموعة السبع، وهي نادٍ حصري للاقتصادات الصناعية التي تشكلت خلال حقبة الحرب الباردة، في المقام الأول لتسهيل مبادرات الاقتصاد الكلي المشتركة استجابة للمشكلات الاقتصادية المعاصرة. وعلى الرغم من تراجع حصة المجموعة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من نحو 70 في المائة في عام 1989 إلى نحو 40 في المائة في عام 2021، إلا أنها في الواقع تقوم بجلب المشكلات الاقتصادية إلى العالم، وليس بحلها، وتتشدق بالتزامها بجعل العالم مكانا أفضل للجميع. ومع عجز المجموعة حتى عن معالجة تصدعاتها الداخلية أو الوفاء بتعهداتها، فمن المحتم أن المحاولة، التي تقوم بها الولايات المتحدة لمواجهة صعود الصين بالتعاون مع حلفائها الآخرين بمجموعة السبع، ستبوء بالفشل.■
مشاركة :