روائيون سعوديون يتحدثون عن علاقتهم بالرواية

  • 2/20/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

* لماذا كتبت الرواية؟ - هذا السؤال ليس سؤالاً بوليسيا. بل هو ينفذ إلى مسائلة وعي الروائي. وكيف دوافعه في كتابة الرواية حيث يشكل هذا الوعي ملامح النص من حيث الحكاية والشخوص والبناء السردي. ولهذا يكون السؤال مرة أخرى للروائي : لماذا كتبت الرواية؟ عبدالرحمن المطوع: أكتب لأثبت أنني موجود وأعيش وأبحر رغم كل التناقضات والنقص اللذين يعترياني * خالد المجحد/ روائي - السؤال لا يأتي بعد كتابتي للرواية إنه يبدأ معها لماذا أكتب الرواية ؟ رواية (عين الله) تمثل فترة من حياتي لقد عشت تجارب المجاهدين في أفغانستان ووعيت العديد من التفاصيل التي مروا بها. معظم الشخصيات التي في العمل حقيقية اقتربت من بعضها حتى أننا تشاركنا في نفس الطبق. روايتي الثانية (اسمي يوسف) فكرتها بدأت مع أخصائي العلاج الطبيعي الذي أشرف على حالة والدي، تصادف أنني كتبت قبل أن ألقاه في مذكرتي الخاصة بين قوسين لقيط اسمه يوسف فتشكل العمل وبنيت أركانه. أنا اكتب الرواية لأستمر في الحياة. دعني أخبرك بأني حين ولدت رفضت أن أرضع من ثديّ أمي فصارت المرضعات في الحي يتوافدن للبيت رغم أن جميع إخوتي رضعن من ثديّها، وما أن تجاوزت الثالثة حتى أصبت بمرض غامض. الكي كان أول العلاج وليس آخره فلا زالت آثاره على جسدي حتى الآن وقالت من كوتني لأمي بأنني لن أعمر طويلاً وعليها التفكير في إنجاب ابن غيري. عادت صحتي للتحسن، سنوات قليلة حتى عاودني ذات المرض الغامض، لا أتذكر من تلك الأيام إلا أنني أفيق فأرى نفسي في المستشفى ثم أعود للنوم العميق غير قادر على المشي. تقول والدتي: أن امرأة قالت لها : (دواه في الكوت) عند الشيخ فلان، فحملتني إليه. أتذكر وجهه جيداً وهو يقول لوالدتي بعد أسابيع من القراءة: لا تتعبي نفسك وتحضريه (دواه عند الله) أو أرجعي به إلى المستشفى. لم يتوقع أحد من إخوتي أن أعود للحياة. عدت بطريقة غريبة أفقت على صوت (طراطيع العيد) تحركت من الفراش وخرجت للشارع أنظر لحزام النخيل المحيط بمنزلنا، المفاجأة! اكتشافي بأن حياتي تتمحور حول عزلتي فكلما كنت منعزلاً لا أتحرك كنت أسعد فبدأت أخلق حولي شخصيات خيالية أتحدث إليها حتى اعتقدت والدتي أنني مجنون. أنا أكتب الرواية؛ لأنني أحب الحياة فأكتبها بطريقتي الخاصة مدركاً لكل تحول يطرأ على الشخصية، فهي معي طوال الوقت. * فهد المصبح/ روائي وقاص - لماذا كتبت الرواية؟ نحن لم نكتب إلى الآن الرواية التي تحدث الفارق وللأسف نكاد نكون أكثر الشعوب إنتاجا للرواية وكلها أو غالبها ردود أفعال أو سير ذاتية أو قصة تمددت عند كاتبها فحولها إلى رواية أو مجموعة مواقف صاغها على شكل رواية وندرة من الكتاب تكاد لا تبين من اقترب من حقيقة الرواية وهذا السؤال أخي طامي كبير وشائك (لماذا كتبت الرواية) واراه من وجهة نظري القاصرة غير دقيق وبديلا عنه (لماذا اقتربت من الرواية) وتعاطيها كفن سبقنا فيه الآخرون بأشواط بعيدة وكلامي هذا عن وسطنا الراوي المحلي السعودي أنا كتبت الرواية عن طريق ورطة وقعت فيها اكتشفت من خلالها أن الرواية عمل رهيب وعالم مروع في تعامل الروائي مع شخوصه ويطلق عليها ديوان العرب في هذا العصر وهذا غير دقيق فلا يزال للشعر بريقه وحضوره وان كانت الرواية تسبقه تاريخيا لان الحياة قصة ممتدة ورواية متشابكة وليست قصيدة والله اعلم. * عبدالرحمن المطوع / روائي - أتخيل عندما يستلم الروائي النسخة الأولى من المطبعة، يكون الشعور غامراً، ويتبادر إلى الذهن أمران، الأول، مدى نجاح العمل وانتشاره؟ والثاني ماذا سيكون العمل التالي وهل ستتطور القدرة الروائية؟ أما السؤال عن لماذا كتب الرواية منذ البداية؟ فهو استفهام يختفي ضمن منطقة مراوِغة بين الوعي واللاوعي، ويمكن القول إن كاتب الرواية أو أي كاتب، في المقام الأول هو يكتب لذاته ثم لمحيطه المتعدد الدوائر. يكتب لأن تراكماً من المعرفة بني في كل برهة تلو أخرى في وعيه، مكونها الأول تجاربه الحياتية، مشاهداته، قراءاته، أحلامه، وآلامه. يكتب لأن الفرد في هذا العالم يسبح في بحر تتنازعه فيه، الذات والبيئة، ثم المؤسسات والمجتمع والمقربين. غرائزه البدائية مكبلة بقيم الذات والمجتمع، ويناور بين كل ذلك ليشق طريقه آملاً أن يصل في نهاية المطاف إلى جزيرته الموعودة أو ينطفئ فجأة وهو يعوم في دوائر لانهائية. بين الذات والمحيط يكون في الأعماق تلك القوة الكامنة، الفكرة المجردة، التي تضع الكاتب أمام مرآة مرواغة، تطرح عليه باستمرار، ماذا سأفعل؟ هل يمكنني أن أقدم شيئاً؟. تتجاوز بدايات الكتابة البسيطة، لتبدأ بمشروعك المنهك، كتابة آلاف الكلمات، الشطب والتعديل الدائم، الأفكار الغير المترابطة، الترويض والاقتناص، وأنت تفكر بين حين وآخر بالظلال المطلة من خلف كتفيك، وكأنها تقرأ كل جملة، وتحلل كل فكرة.. ماذا سيفهم القارئي؟ ماذا سيفهم المجتمع؟ ماذا سيفهم السياسي والمرتبط بك من جهة أو خرى، وأنت لاتريد أن يفهم أنك تخاصمه، وتستمر عملية النحت، وتمشي بمحاذاتك الاسئلة، هل سيطلع النقاد على العمل؟ ماذا سيقولون عنه؟ أم سيمر من تحت أشعة الرادار ويُنسى مثل آلاف الروايات العبثية أو عديمة القيمة؟ يكتب الروائي ليقول إنني هنا موجود وأعيش وأبحر رغم كل التاقضات والنقص الذين يعترياني، يكتب ليقول أنني لي وعي مستقل وتفكير خاص بي، لم يخضع لأحد، ولن يخضع لسلطة أخرى، مهما تخفى خلف أقنعة رتيبة، يضعها كي يستمر مبحراً بعيداً عن معارك وهمية أو جانبية لا طائل منها. يكتب لأن هناك جوهراً ووجداناً يلحان عليه بأن لا يسلم روحه للمسار المتوقع والمرسوم، يكتب ليقول، لمحيطه المتعدد، أنا هنا أنتمي لعالم واسع وهويّات متعددة وأُسرٍ شتى. تلك البؤرة الغائرة في أعماقه تحمل شفرته الخاصة التي تميزه عن كل شيء آخر في الكون، تفيض بلا توقف، تسابق نبضه وتنفسه، وتصر عليه أن يتحرك، أن يسبح، أن يتكلم، أن يكتب، حتى لو صمت بين موجة وأخرى، إلا أنه لا يتوقف عن العمل والاشتغال على فكرة، ليصيغ مايود أن يخاطب فيه محيطه الخارجي. خطاب متعدد الطبقات والأصوات، خطاب يبدأه لنفسه، مغذياً الغريزة المتعطشة لتحقيق الذات دائماً، للتعريف بها وإبرازها، واستدراج الإعجاب بها وإشهارها. وخطاب قريب بعيد لمن يود أن يوصل صوته لهم، ربما لإنسانٍ بعينه، وربما فئة، أو متلقين منتشرين بلا تصنيف سيقرؤون ما كتبه، سيفكرون في كلماته، يستمتعون، او يمتعضون، يتوقفون فيقذفون بكتابه، أو يواصلون حتى الجملة الأخيرة. في النهاية، سيغمض عينيه ليعزي أعماقه؛ لم أصمت، لقد كتبت ما كنت أود كتابته، من معرفة أو إمتاع أو عبث، لقد غدت كلماتي على ورق، ستبقى منسية أو ستعبر بين حين وآخر، عبر وعي إنسان لم يسمع بي من قبل، في أرض نائية، حتى بعد أن أرحل بوقت بعيد. * علي السلمان/ روائي - أكتب الرواية هذا العمل الفني الرائع والعالم الجميل لأني أشعر بلذة فكرية تداعب عقلي وفكري، وإحساس رقيق يناغي قلبي وفؤادي، وفرحة وجدانية تعتلج في صدري ما ألبث أن أبوح بها.. هناك فكرة عميقة تولد بين دهاليز عقلي فأبدأ في تتبعها ومراقبتها، وحين أشعر أنها جاهرة لتخلق على أرض الواقع أركض سريعا نحو خزانة قلبي كي أستعير منها ملابس رومانسية لألبسها، ثم أركض مندفعا نحو ينبوع الخيال السحري وأنهل منه حتى أروي كل ذرة في عملي الروائي. أكتب الرواية لأني أرغب في الإثراء المعرفي، فالكتابة الروائية هي حصيلة معرفية طويلة يقضيها الروائي بين الكتب وصفحاتها والمكتبات وأروقتها وتمتزج مع الخبرة الحياتية فتخرج سيلا يروي القراء ويشفي ظمأهم للعلم والثقافة، وتغدو الرواية أكاديمية من نوع خاص. في الكتابة الروائية عالم فسيح متشعب من المتع الروحية والقلبية لا يدركها إلا من انغمس في بحرها وحلق في فضائها، يستطيع الروائي أن يتقمص أي شخصية في الوجود، بل باستطاعته أن يخلق كونا جديدا فيه كل شيء قابل للتحقق، فإذا كان الحلم مجرد صور ذهنية عابرة لدى الإنسان العادي فإنه يصبح حقيقة ملموسة على يد الروائي وبقلمه الذي هو عصا إعجازه الفني بامتياز. أشعر بكتابة الرواية أني ملك عظيم أتحكم بكل شيء، اسمي الشخصيات وأحدد مصائرها، أوظفها كيفما أشاء، أنصب زيدا وزيرا وأعين عمرو عاملا، أدخل حياتها وأعلم نفسيتها، أشاركها أفراحها وأتراحها، بل يكون لدي القدرة على خلق وجودها المادي والمعنوي مثلما أريد، ولدي السيطرة على رسم أوصافها وتركيب أجسامها، الكتابة الروائية تمنحني إنسانية متجددة في كل كلمة أكتبها، في كل سطر أخطه، في كل صفحة أدبجها، لأني أعيش مع أحاسيس شخصياتي وأشعر بها، أتفهم تطلعاتهم وطموحاتهم، أحيا مع أحلامهم وأمانيهم، أسمع شكواهم وأحس بآلامهم، أكون لهم كالأب الرحيم والأم الحنون. حين أمارس كتابة الرواية تسافر روحي عبر بساط الزمن وأوغل في أعماق التاريخ، بل تسافر إلى آفاق المستقبل التي لم تخلق حتى، أعرف بشرا لم ألتقهم من قبل، أشاهد كائنات غير مرئية، أسمع همسات الأرواح وتراتيل الأشباح، أتعرف على العفاريت وأصادق الجن، أوقظ الموتى من مقابرهم وأجلس معهم وأسئلتهم، وحين أرجع للواقع أكون مصطحبا معي سجل حياة غابرة لأحكيه لعصور عابرة..

مشاركة :