«إن المسلمين لا يكرهون حريتنا إنما يكرهون سياستنا» (مادلين أولبرايت) دعا المرشح للحزب الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب إلى «منع المسلمين من دخول أمريكا» ويرى وفق استطلاع أن «المسلمين يكرهون الأمريكيين وهو لا يعرف السبب لذلك، و يجب أن يعرف الأمريكيون السبب». أو كما قال «لا نحتاج إلى النظر في بيانات استطلاعات الرأي حتى يتضح للجميع أن هناك كراهية نعجز عن فهم أسبابها». مع أن الإجابة واضحة كشمس يوم حار، لكن الشمس الساطعة عادة ما تُصيب الرؤية بالعمى كلما اقتربت العين من الشمس. فالعرب والمسلمون لم يروا من السياسة الأمريكية سوى بيع مقدساتهم إلى المدعيين فسادا و زورا بالحق، لم يروا من السياسة الأمريكية سوى احتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم وبث العداوة والتقسيم والطائفية في صفوفهم. لم يروا من السياسة الأمريكية سوى اتهامهم بأنهم أبناء الظلام والتخلف و أرباب العنف و الإرهاب. هذه السياسة التي تقوم على تخويف العالم الغربي من العرب و الإسلام يصفهم فرانسيس فوكوياما «بالوهم» وبعد ذلك يسأل عن أسباب كره المسلمين للأمريكيين؟!. لكن ما يجب أن يُذكر في هذا المقام هو أن طبيعة العربي و المسلم طبيعة تتعارض مع مشاعر الكره، فقد اعتاد طوال تاريخه الإسلامي على التعايش السلمي والحضاري مع من يختلفون عنه في الدين و الثقافة، بل وامتلكت القدرة على الاستفادة من ذلك الاختلاف في تشكيل حضارة إنسانية علمية عظيمة، وفي التاريخ شواهد دالة على هذه الطبيعة الراقية. لكن الطبيعة ما تلبث أن تخرج إلى طارئ غير ممثل لها متى ما حاول الآخر تهديد قيمتها ومحوها . وهذا التبرير لا يُعتمد في إيجاد مخرج للعنف، إنما تعليل لموقف العرب من السياسة الأمريكية، وليس من الإمريكيين، فأفكار و مشاعر الشعب الأمريكي هي حاصل نوعية ما يٌحشد لها و يُحسب في نظر الحاشد حقائق عن العرب والإسلام،و ماهي سوى مُزيّفات تقدم على أنها حقائق قطعية الجذر. ولعلي هنا أقف أمام عبارة ذكرتها السيدة مادلين أولبرايت في كتابها الجبروت و الجبار تقول «هناك ملايين المسلمين الناشطين سياسيا والمؤمنين بالتفسير الضيق للإسلام. و معظم هؤلاء الأشخاص مناهضون للغرب، وغير ديمقراطيين في تفكيرهم، و مرعبون من الوجود الأميركي.. و معادون لإسرائيل، وتواقون إلى فرض آرائهم الأخلاقية على الآخرين، على الرغم من أنهم مختلفون، لكنهم لا يكونون إرهابيين إلا إذا ارتكبوا أعمالا إرهابية أو سهّلوها. و نستنتج من العبارة السابقة نقطتين هما: سبب موقف العرب من أمريكا، و النقطة الثانية إن طبيعة الفكر ما دامت غير إجرائية لايمكن مساءلتها أو الحكم عليها. وهذا ما يحاول العرب إفهامه للسياسة الأمريكية أن خصوصية معتقدهم و أفكارهم نحو الآخرين لا يمثل عداء لهم إنما موقف أيديولوجي من حقهم التعبير عنها بثقافتهم، دون أن يتهمهم أحد بالرجعية أو التخلف أو الإرهاب. و تلك الخصوصية العربية والإسلامية نحو السياسة الأمريكية يمكن أن تفكك بالتقريب والمشاركة من خلال «كما تقول أولبرايت بالمجادلة الإيديولوجية» بكل الحجج المتاحة لنا، لكن لا داعي لأن تهاجم حكومتنا الآخرين استنادا إلى معتقداتهم، إن عدونا ليس الإسلام أو أي شكل من أشكال الإسلام ،بل عدونا القاعدة». لكن ما تراه السيدة أولبرايت يتعارض مع مبدأ «نظرية صدام الحضارات» المبدأ الذي يعتمد على «حتمية الصراع الديني بين الإسلام و الحضارة الغربية». لا شك أن المتأمل لحكاية العرب و أمريكا لا يستطيع أن يقفز على «فصل الإرهاب» في تلك العلاقة، الفصل الذي أنضج «دراما الصراع بين العرب وأمريكا»، تلك الدراما التي اكتملت عقدتها بأحداث الحادي عشر من أيلول، في حين أن إرهاصاتها بدأت قبل تلك الأحداث. لكن أحداث الحادي عشر من أيلول هي المفجّر الحقيقي للدراسات التي حللت أسباب ما حدث و علاقته بطبيعة المجتمعات العربية و كشفت عن الدراسات الخفية سواء التي تنبأت بهذه النتيجة أو التي خططت لحدوث هذه النتيجة. ارتكزت الدراسات التي تناولت ظاهرة الإرهاب في المجتمعات العربية إلى سببين هما: تعاليم الدين الإسلامي، و أحوال المجتمعات العربية، والتي يختصرها صموئيل هنتنجتون إلى «تعاليم الإسلام الداعية إلى الجهاد و التي بدورها تُغذي العنف نحو الآخرين» وبهذا فنحن أمام اتهام صريح بأن الإسلام «يشجع على الإرهاب و يدعمه» و هو الاتهام الذي مايزال العرب في كل أنحاء العالم يقدمون البراهين لتفنيده. و السبب الآخر في رأي هنتنجتون لانتشار الإرهاب في صفوف الشباب العربي هو «ما تعانيه المجتمعات العربية من زيادة سكانية و فقر و فساد واستبداد سياسي». والمدهش أن كل الدراسات العربية التي تلّت دراسة هنتنجتون تعزف على ذات الوتيرة. انتجت أحداث الحادي عشر من أيلول مصطلح ما يسمى»الحرب الاستباقية» على الإرهاب و اعتبرته حرباً كونية تهدف إلى محاربة الإرهاب و تجفيف منابعه، هذه الحرب الذي يقول عنها فرانسيس فوكوياما في كتابه أمريكا على مفترق الطرق «لكن تصور الصراع الأوسع بوصفه حربا كونية تقبل المقارنة بالحروب العالمية أو بالحرب الباردة هو تصور يبالغ مبالغة ضخمة في توكيد نطاق المشكلة و يوحي بأننا ننازع قسما كبيرا من العالمين العربي و الإسلامي». وفي ضوء هذا الحرب ظهرت ثنائيتا «من ليس معي فهو ضدي» و ثنائية «محور الشر و محور الخير». فقد قسمت الإدارة الأمريكية أعقاب أحداث الحادي عشر من ايلول الدول العربية والإسلامية إلى محورين؛ محور الشر و هو كل من لا يؤيد تلك الإدارة في حربها الاستباقية المفتوحة التي لا تؤطر بأي إطار دولي متفق عليه، و محور الخير، وهو كل من يؤيد تلك الإدارة في حربها الاستباقية ضد ما اسمته «الإرهاب». مقالات أخرى للكاتب الصليبيون الجدد (3) الصليبيون الجدد (2) «مابين هاري ترومان ودونالد ترامب» (1) ثقافة التوحش: «ما بين مضايا.. والمقدادية» فتنة الإرهاب «ما بين أسامة بن لادن ونمر النمر»
مشاركة :