الصليبيون الجدد (3) - سهام القحطاني

  • 2/13/2016
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

علينا أن نؤمن أولاً أن أسباب الصراع تظل هي دوماً الأسباب ذاتها في كل زمان ومكان، وأنَّ التغيير الطارئ هو ما يتعلق بصيغ التعبير عن توصيف أسباب ذلك الصراع، ومن يعتقد أنَّ التطور الفكري والحضاري والنهضوي يقلِّل من مساحة توحشات الصراع، ويقارب لحد الاندماج بين مساحات السلام، فهو مُخطئ؛ لأن تطور الإنسان يزيد من توحشه، وتوسع مناطق صراعه، والأمر يعود هنا إلى مقدار الوهم الممنوح لمتفوق القوة الوهم الذي يدفعه إلى وجوب التوازن بين تفوق قوته، والمساحات الخاضعة لسيادته بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ووفق هذا المنطق، لا نندهش من بعض العبارات التي كانت تُذكر في خطابات رؤساء أمريكا قديماً وحديثاً لتبرير تدخلها في الدول، وتفكيك سيادتها؛ لإخضاعها لسيادة دولة الأمة التي باركها الرب، فقد قال الرئيس «وودرو ولسون» عام 1917م الرئيس رقم «28» لأمريكا «سنحارب من أجل الديمقراطية،.. ومن أجل حقوق الأمم الصغيرة وحرياتها». وهي مقولة تُعلن أنَّ الصراع غالباً ما يكون إجبارياً لا اختيارياً في زمن القوة العظمى. والقدر الذي قرره ولسون هو قدر متجذّر في الخطاب السياسي الأمريكي، نجده أيضاً في خطابات الرئيس «كالفين كوليدج» الرئيس رقم «30» لأمريكا الذي كما تقول أولبرايت غالباً ما كان يؤكد في خطاباته على مسيحية أمريكا و «أنَّ الفيالق التي ترسلها تحمل الصليب لا السيف سلاحاً»، و أعلن - كما تقول أولبرايت - أنَّ تنصير الإنسانية هو الغاية الوطنية لبلده، و «أنَّ الدولة العليا التي تسعى أميركا إلى الحصول على تأييد كل البشر لها ليست ذات أصل إنساني، وإنما إلهي». وهو ما يؤّكد لنا أنَّ «الدين» لا يُمكن أن يخرج عن إطارات عجلة الصراع بين الأمم. ولذا لا نحصر «جورج بوش الابن» في دائرة هذا الاتجاه الذي كان دوماً يعبر عنه بتوصيفات مختلفة ومبررات مختلفة، من قبيل أنَّ «الولايات المتحدة هي القوة العظمى في العالم، وعليها أن تحمي الضعفاء»، وأنها «القوة العظمى المُؤهلة لنشر العدالة والديمقراطية»، وأنها «القوة العظمى القادرة على إنقاذ البشرية من شرّ الإرهاب، والتطرف»، وكل تلك العبارات هي في النهاية «مُوصِلة» لقدرية تفتيت سيادة الدول الأضعف؛ لفرض سيادة القوة العظمى. ووهم السيادة والوصاية التي تتصف بها أمريكا أكثر ما تجلّت في عهد حكم السيد جورج دبليو بوش، فقد أعلن كما تقول السيدة أولبرايت عام 2005م أنَّ «سياسة الولايات المتحدة هي السعي إلى تحقيق الديمقراطية، ودعم نمو الحركات والمؤسسات الديمقراطية في كل أمة وثقافة، وأنَّ الهدف النهائي هو وضع حدٍّ للطغيان في العالم». وفرض هذه السيادة هي التي تخوَّفت منها الآنسة كوندو ليزا رايس، بأن تفرض أمريكا سيادتها على الدول «باسم التدخل الإنساني». وما يُمكن استنتاجه من قول الرئيس الأسبق بوش، أنَّ لأمريكا الحق في التدخل في شؤن العالم، وتغيير الدول؛ لفرض ما تراه صحيحاً من معتقدات، المعتقدات التي يعتبرها جزءاً من خط التاريخ الذي تحمله أمريكا، الخط البيِّن القائم على «الحرية وخالق الحرية»، فالحرية كما يرى بوش هي «هبة الله إلى كل أبناء العالم». وذات المنطق كان من قبل عند الرئيس رونالد ريغان الرئيس رقم «40» لأمريكا بأنهم شعب «آمن بأن الله اصطفاه لإنشاء عالم أعظم»، فإذن القدر الممنوح لهذا الشعب المُصطفى، هو تدمير العالم الذي لا يتطابق مع مواصفات النموذج الأعظم؛ لإعادة إنشائه. وهذه الثقة التي تشكل متلازمة بين أمريكا ووجوب نشر الحرية في العالم، جعلت أولبرايت تطرح في كتابها الجبروت والجبار سؤالين هما، هل يعني أن الله اصطفى أمريكا لتسليم هذه المنحة؟، هل لديها رسالة أوحى بها الله إليها تقضي بتعزيز الحرية؟. والحقيقة بنظرة متفحصة للخطاب السياسي للجمهوريين الذين حكموا أمريكا وسيحكمونها في المستقبل تصبح الإجابة عن سؤالي السيدة أولبرايت «نعم» وفق ما يعتقد الفكر الجمهوري المبني على أفكار المحافظة القديمة والجديدة والميسوديتية. وهذه السياسة الذي كان ينفذها السيد بوش تقول عنها السيدة أولبرايت حسب التحليل السياسي في أمريكا بأنها «أكثر من استباقية، إنها متطاولة دينياً، وليست أحادية فحسب، إنها مسيحانية خطرة، وليست متعجرفة فحسب، وإنما تقف عند حدود الوثنية والكفر». ما أريد تأكيده هنا وعرضته سابقاً في الجزء الأول أنَّ «الدين» هو الذي يحرك «الأمة التي باركها الرب»، وإرادة الأمة التي تنسجم» فطرياً مع غاية الله»، كما يرى المؤرخ الأمريكي جورج بانكروفت. أما المؤرخ الأمريكي تشارلز فرانسيس، فيرى أنَّ رجال الدين في أمريكا يرون أنَّ لديهم رسالة من الإله القدير «ليصدّروا نعم تعاليم المسيح التي تنعم بها هذه الأمة العظيمة إلى الأعراق الدنيا.» ولعل السؤال الأهم ها هنا، لماذا المنطقة العربية كانت ومازالت هي مصدر صراع القوى العالمية، ومطمع فرض سيادتها عليها؟. ويمكن هنا من وضع فرضيتين تُكمل إحداهما الأخرى، وهما: الفرضية الأولى تستند على عنوان «لماذا المنطقة العربية؟»، وهذا العنوان يندرج من خلاله ثلاثة محركات، وهي «النفط، الممرات المائية المهمة، حلم عودة المسيح»، أما الفرضية الثانية فهي تستند على عنوان «لماذا تخاف أمريكا والغرب من العرب؟»، ويندرج من خلاله ستة محركات هي: «الدين القوي، طبيعة الشخصية العربية المسلمة، كثرة السكان، النفط، الجغرافيا الإستراتيجية، السوق المفتوح». وتلك المحركات تُشكّل لأمريكا والغرب مُهدِّدات؛ لأنها عناصر متى ما اجتمعت في أمة مكّنتها من قيادة العالم أو التحكم في ميزان القوى العالمية. وهنا يُصبح العرب أو المسلمون قوة صامتة تهدد أمريكا إذا قُدّر لها الحركة والوحدة. وفي هذا المقام علينا ألا نغفل مقولة مشهورة للآنسة كوندو ليزا رايس «إن كان لنا الاستفادة من درس من دروس التاريخ، فهو أنَّ القوى الصغيرة التي هي مستعدة لتخسر كل شيء تكون عادة أكثر عناداً من القوى الكبرى.. يدفعك هذا الدرس أيضاً لأن تتحضر جيداً للفوز إذا كان للقتال أهمية.»، ولذلك يجب أن تظل الأمة العربية صامتة، كما يجب أن تكون متفرقة، بل ومُفتتة، وتفتيت الأمة العربية ليست بأمنية لأمريكا، بل هو مخطط تبلورت نيته من خلال «وثيقة بريجينسكي» مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر التي تدعم تفتيت الدول العالم العربي إلى دويلات طائفية ومذهبية؛ لتحقيق ذريعة لفرض سيادة أمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية. لا نبالغ إن أكَّدنا مراراً أنَّ أهم أسباب الصراع بين العرب وأمريكا رغم كل الأقنعة مختلفة الأشكال يعود دوماً إلى «الدين»، كما رأينا سابقاً. يقول القس الأمريكي فرانكلين جراهام «إنَّ الإسلام والقرآن يعلمان العنف، ولا يعرفان السلام»، وإن الإسلام «ديانة شر»، ولذا «ينبغي علينا اوقوف بوجه هذا الدين الذي يقوم على العنف، إن إله الإسلام ليس إلهنا، والإسلام دين شر وحقير». ولعل ما يفسر هذه الرؤية الدينية المتطرفة ليست قاصرة على رجل دين، إنما هو تصور عام للمجتمع الأمريكي تصفه السيدة مادلين أولبرايت في كتابها الجبروت والجبار بقولها «أورثت المسيحية التي أحدثت فيها المعارك مع المسلمين في قسم كبير من العصور الوسطى الولايات المتحدة الشكوك في الإسلام، فقد اعتبره معظم الأميركيين ديناً غريباً وباطنياً إلى حدٍّ ما خارجاً على التراث اليهودي المسيحي الذي يرتاحون إليه، وفي الستينيات من القرن الماضي، اكتسبت أمة الإسلام سمعة سيئة داخل الولايات المتحدة؛ بسبب خلافاتها على القيادة وخطابها الانفصالي الساخط،..وعلى الصعيد الدولي تعزّز الإحساس بالضيق من الإسلام بشكل دوري؛ بسبب الحظر النفطي العربي، والجعجعة المعادية التي تصدر من رجال الدين الإيرانيين، وحوادث الإرهاب.» والحقيقة أنَّ السيدة أولبرايت تحول العلاقة بين الأديان الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية إلى إشكالية في المجتمع الأمريكي، إشكالية مصدرها الغموض الذي يكتنف الإسلام، ويحجز جوهر حقيقة الإسلام عن الذيوع والانتشار، والمصدر الآخر التوثيق المزيّف لطبيعة الإسلام الذي تمّ من خلال المسيحية واليهودية. مقالات أخرى للكاتب الصليبيون الجدد (2) «مابين هاري ترومان ودونالد ترامب» (1) ثقافة التوحش: «ما بين مضايا.. والمقدادية» فتنة الإرهاب «ما بين أسامة بن لادن ونمر النمر» الصراع بين (الحتمية و القضائية) (4)

مشاركة :