امرأة تغزل ضفائر الشمس

  • 2/20/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

(ويشير هايدغر إلى أن الألفة طالما حالت دون معرفة الخصائص، وبالتالي أعاقت الوصول إلى الرؤية الحقيقية للأشياء، ليس في الفن وإنما في الفكر أيضا) الدكتور سعد البازعي من مقدمة كتابه (جدل الألفة والغرابة) أحدثكم اليوم عن المرأة التي أكرمها الله ترونها وتألفونها لدرجة أصبح بعض الناس عاجزين عن رؤيتها، بل أصبحت تسكن في خطاب مكرر أنها الأم والأخت والبنت، هذا الخطاب يبقي حقوق المرأة التي تستدعيها تطورات الحياة وانسحاب بعض الرجال عن أداء أدوارهم الأسرية أزواجا أو آباء وأبناء، ما اضطر بعض النساء إلى القيام بأدوار كثيرة لم تخلق لها! القدر الذي ألقى بهاجر بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم؛ هو ذاته قدر كل الأمهات تكتشفه بمجرد أن تحمل بين يديها معجزة الحياة وتسير بها وتشير إليها فتتكلم المعجزة لتروي عظمة امرأة. والأم التي تتحول إلى أرملة وتحمل مع حزنها عبئا آخر ألا وهو عبء رعاية الأبناء والبنات الذين أصبحوا يتامى الأب، يبقى تكرار أنها الأم وغيره هنا يؤكد أن الرجل حين يعدد صفات المرأة في حياته يتجاهل أنها واقع لا يقبل التوصيف ولا يحتاجه، فلسنا بحاجة أن نؤكد أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب! لكننا تماهينا مع خطاب يهمشنا ويبقينا مجرد وجود مفروض على رجل يردد هذا الكلام ليفقأ عيني حقوق المرأة دون أن يمنحها جوهرتين مكانهما.. فمن يقف خلف هذا الخطاب؟! ينكشف زيف هذا الخطاب حين تقف المرأة أمام الرجل ندا في مجال من المجالات، فيأبى الرجل إلا أن تكون خلفه؛ لكنّ الرجال المتمثلين لقيم الرجولة الحقة هم وحدهم من يقدمون النساء في كل مجال. المرأة تستخدم كسلاح من أسلحة الحرب بين تيارات متصارعة؛ أو لنقل أهواء متنازعة كل منها يريد أن تكون المرأة في صفه متعة له، المهووس بوهم السيطرة يلاحقها فيعجز، ويضربها متظاهرا بالدفاع عنها رافعا عقيرته بقول مقلوب يمر على آلاف الآذان فلا تعي أنه أخطأ القول فهو يقول (والله إني أحرص منها عليك)، ويلحن بالقول بدل أن يقول أحرص منك عليها، وهو أحرص على ضربها وذلها! ويقف المنصف مطالبا بقوانين تحمي المرأة من العنف الذي يمكن أن يوقعه بها كائنا من كان، وهي تسير في الشارع الذي لا تملك القيادة على الأسفلت ولا حتى الحركة الآمنة على أرصفته. وبالتأكيد الخطأ لا يعالج على قارعة الطريق ولا يعالج بالضرب. المرأة التي يظن أشباه الرجال أنها سلعة رخيصة ويطاردونها أو يعنفونها مثلت عبر تاريخ الإنسانية أدوارا لم تولد وهي تحملها كصفات القرابة، بل هي الملكة بلقيس وامرأة فرعون المؤمنة بالله، وهي ماشطة ابنة فرعون تلقى في النار ولا تبدل دينها؛ هي أم موسى التي أفرغ الخوف على وليدها قلبها، وهي اليوم الوزيرة والملكة أيضا في حضارة الغرب والشرق. قامت نهضة في بنجلادش على إثر قيام محمد يونس بإنشاء بنك جرامين لإقراض الأسر الفقيرة ممثلة في النساء قروضا صغيرة جدا يحولنها إلى مصدر لدخل الأسرة ينعشها ويدر عليها ما تحتاج من متطلبات يومية ويعدن القرض. لنتأمل ما تقوم به أبسط وأعظم النساء من أدوار في الحياة تجعل المرأة مركز الأسرة الذي تتمحور حوله، وهي بحاجة إلى من يشد أزرها ولا يشدها للخلف. الأم التي سعت بين الصفا والمروة بحثا عن ماء لصغيرها أغاثها الله بزمزم وجعل سعيها ركنا من أركان الحج والعمرة تقوم به النساء ويهرول به الرجال تكريما لها وتقديرا لكل ساعية بين صفا الحياة ومروة الأحياء. المرأة في مجلس الشورى لدينا دون مجاملة تمثل نموذجا مشرقا لنساء يعرفن ما يردن وما يراد منهن، والمبتعثة النجيبة التي تنفق وقتها في المعرفة واستغلال ما تحت يديها من إمكانات وهبتها لها الجامعة أو المعهد أو المكتبة نموذج مشرق آخر، والمرأة العاملة الملتزمة بواجبات عملها بائعة أو معلمة أو حاضرة في مشهدنا الثقافي اسما مؤثرا، ومثلهن من تبحث عن سوق لتسويق بضائعها من الأسر المنتجة لتبيت كالّة من عمل يدها، هؤلاء نسوة يغزلن ضفائر شمس الحياة وينفضن الكسل والتخاذل ويهملن كثيرا مما تحتاج إليه أرواحهن من راحة أو ترفيه في سبيل تقديم المزيد لأسرهن ومجتمعهن، وهن نساء لا يجوز النظر إليهن نظرة دونية ترفضها عزة وكرامة المرأة العربية من الجاهلية. وللإنصاف تجد بعض النساء من الدعم ما يفوق المطلوب ويصل هذا إلى المحاباة والمجاملة، لكونها امرأة وليس هذا مطلبا ولا ما يراد لنا معشر النساء؛ بل المراد أن تنال التقدير ابتداء من الدعم وعدم الإقصاء إلى تقبل أن تتفوق امرأة على رجل. من ألطف ما تجده المرأة مروءة كثير من الرجال إن وقفت في صف أو أرادت خدمة ما من جهة رسمية في تقديمها على أنفسهم، فحمدا لله على وجود الأسوياء؛ ولكن القانون لم يوضع إلا لكبح القلة المنفلتة، فهل من قانون واضح يحمي المرأة من الأذى وهي في طريقها ويردع غير الأسوياء؟!

مشاركة :