القمع ينقل الناس من العواء إلى العض

  • 2/20/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا أعرف لماذا نختار العناوين الخطأ، ثم نقوم بالكثير من التركيز عليها، وكأنها أساس البلاء، وهي لا تعدو أن تكون نتائج، أما الجذور فإن لدينا قدرة على تجاهلها ودفن رؤوسنا عنها في الرمال. من العناوين القضاء على «داعش»، الذي أصبح شغل المشغولين، وكأنه الطاعون الذي ينتشر في الناس، ولا أحد يتحدث عن الجرذان التي تنقل الطاعون وتنشره. لا أخفف من، ولا أتفق مع، أفعال «داعش» الوحشية، إلا أن الأكثر فحشًا هو ما يفعله النظام السوري من جهة، وما يفعله النظام العراقي من جهة أخرى، في كل من الشعبين السوري والعراقي. لم ينزل علينا «داعش» من السماء، إنما وُلد في أرض خصبة وحاضنة هي القمع، لم يتورع النظامان السوري والعراقي الحاليان عن تغذيته، وليس بالضرورة عن سبق إصرار، ولكن نتيجة طبيعية، فلكل فعل، حتى في السياسة، ردة فعل مضادة له! مرة أخرى مع شجبي لسلوكيات «داعش» المستفزة للضمير الإنساني، إلا أن ما يُفعل في سجون سوريا وأقبيتها أكثر فحشًا، وما نراه كل يوم من إبادة الشعب مهول، بل مغرق في وحشيته. أحد الذين قفزوا من سفينة النظام السوري نقل لي أن أطفال درعا عندما كتبوا على الجدران في بداية انتفاضة الشعب السوري عبارات اعتبرها النظام تحريضًا ضده، جلب هؤلاء الأطفال واقتلعت أظافرهم من أناملهم الغضة، وبعضهم ضرب حتى فقد وعيه، ولما جاء الآباء محتجين على تلك الوحشية، قال لهم الضابط المختص، وهو من أقرباء بشار الأسد: هاتوا أمهاتهم لننتج لكم أطفالاً أكثر تهذيبًا!! بكل تلك الصلافة والصفاقة عامل ويعامل النظام السوري البشر أقل بكثير من معاملة حتى الحيوانات الهرمة التي وجب التخلص منها! هل تُخفى دراسة «داعش» وأسباب وجودها، ومن هي، وكيف نشأت على المؤسسات البحثية والسياسية الغربية؟ بالطبع، لا يمكن تخيل ذلك، فهي كما قلت لم تأتِ من فراغ. إنها نتاج «الدولة القمعية العميقة» لكل من تلك الأنظمة التي أوغلت في تحقير الناس واستعبادهم والتنكيل بهم، لأن القمع الذي وقع على معظم الشعب السوري، وعلى طائفة كبيرة من الشعب العراقي، غير مسبوق في تاريخ البشرية، حتى يفوق الهولوكوست ذائع الصيت! «داعش» هي مكان جاذب لأفراد وجماعات لم تجد لها مأوى يقيها ذلك البطش، كي تبقى آدمية في مجتمعها، ليس العزل والتهميش فقط، ولكن الإبادة أيضًا، بل هم يعيشون في خوف دائم من التنكيل، يصل إلى حد الهوس. اسمحوا لي بأن أسرد هذه القصة الحقيقية وبأسماء أبطالها للتدليل فقط على مبلغ الخوف: السيد وليد المعلم الذي يقوم الآن بالدفاع عن نظام هو أول من يعرف أنه قمعي إلى العظم، كان سفيرًا لدى الولايات المتحدة، وجاء وقت دخول النظام السوري في مفاوضات مع إسرائيل في «وايت ريفر» المشهورة بقيادة وزير الخارجية وقتها فاروق الشرع عام 1996، بعد أيام طلب وليد المعلم من أحد زملائه من السفراء العرب على وجه عاجل يريد لقاءه، ذهب إليه الزميل (الذي روى لي القصة) قال له المعلم: لقد تم استدعائي على عجل لدمشق، ولا أعرف السبب، فإن سافرت ولم أعد أوصيك بعائلتي!! (له ابنان يحملان الجنسية الأميركية) هذا الخوف المعجون بالرعب هو ظاهرة، أعرف الكثير من القصص حولها، التي خبرتها مباشرة، أو رويت لي عن طريق ثقاة، كيف تتعامل هذه الأنظمة مع أقرب معاونيها، حتى أصبح هناك نكتة تردد: (انتحر بثلاث رصاصات)!! لذلك فإن الدول القمعية تنتج شخصيات سيكوباتية معقدة، المزايدة هي بضاعتها الأولى، هذا حدث مع نظام صدام حسين، ويحدث الآن من معظم المسؤولين العراقيين، إلى درجة أن أحد كبارهم قال أخيرًا إن العلاقات الإيرانية العراقية هي وثيقة، لأن (أنهار العراق منبعها في إيران) خاف الله يا رجل، وقل قولاً سديدًا، أو اسكت، الخوف في سوريا من النظام والخوف في العراق في معظمه من طهران! إذا كان هذا ما يتوقعه القائمون على الأمور من مجالسي تلك الأنظمة والعاملين لديها، فأي قمع يتوقعه المواطن العادي، وأي رعب يحمله (المفاوض السوري) الذي يتوجب عليه المزايدة في حينها وفي غير حينها! نظام الأسد ونظام بغداد كان لا بد أن يفرزا شيئًا يشبههما، وما الدواعش إلا الوجه الآخر العاكس لكل ما تقوم به تلك الأنظمة، لأن المواطن يصل إلى معادلة صفرية: إذا كان لا بد أن تموت، أفضل أن تموت وأنت تحمل سلاحك! بقاء الأسد كما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، سوف يفرز شكلاً من أشكال الدواعش. إزالة الأسد، وتخليص نظام بغداد من الهيمنة الإيرانية، يساعد كثيرًا على تقليل مخاطر الدواعش، أكثر بكثير مما تفعله القنابل والراجمات. لبنان سوف يفرز صورة مماثلة من ذلك القبيل، أي شكلاً من أشكال الدواعش، مع استمرار خنق حزب الله للعملية السياسية معًا مع الحريات، واستباحة كل المحرمات هناك، وأيضًا اليمن في محاولة الحوثي التسلط القسري على اليمن، جزء منها قمع اليمنيين وحكمهم بالسلاح والمخابرات! فحرب هذه الجماعات والأنظمة القمعية له أولوية، لأن حكم الفوضى والميليشيات دمرا جيلاً كاملاً بأسره من العرب، ولأن بقاءها سوف يفرز أشكالاً لم نعرفها بعد من التوحش. الوحشية المخيفة تفرز وحشية مضادة لها، تلك قوانين البشر. لوران فابيوس الوزير الفرنسي قال على الملأ: «إيران وروسيا متورطتان في الوحشية من خلال النظام السوري، تلك حقيقة لم يستطع رئيس الدبلوماسية الفرنسية، وهو يغادر إلا أن يجهر بها». القمع المفرط يقود إلى هشاشة الأوطان، ومن تلك الهشاشة تخرج رؤوس كل الشياطين، فإحصائيات القتل من الإرهاب تتركز 78 في المائة منها في خمس دول هي (العراق، وسوريا، وأفغانستان، ونيجيريا، وباكستان) كما تقول الإحصاءات الدولية. ودون القضاء على الفشل سوف تستمر ظاهرة الإرهاب البشع وتتفاقم، «داعش» يعض، الأنظمة القمعية تفترس. آخر الكلام: إذا لم تكن لديك خطة فأنت جزء من خطة الآخرين!

مشاركة :