الكتابة والكاتب معركة طويلة أسلحتها الرأي والكلمة، غير أن هناك أوصافاً عديدة تطلق على صاحب هذه المهنة من عميل ومرتزق ومنافق، إلى بطل وشهيد وإمام للحرية، وفي عموميتها يحدد ضميرُ الإنسان وأخلاقه ورؤيته وقيمه سلوكَه واتجاهه؛ لأن الكتابة ليست ترفاً، أو نجومية أو كسباً مادياً، بل هي قدر هذا الإنسان الذي اختار هذه المهنة الصعبة والمعقدة، ومن خلال هذا الاستهلال أريد أن أطرح وجهة نظري في هذا الموضوع.. كثيراً ما أواجه، من خلال تجربة طويلة، القول لماذا لا تكون كاتباً محلياً تعالج الشأن العام الذي له الأولوية على غيره طالما هموم المواطن وتعدد مطالبه وقضاياه تعلو على أي أمر آخر؟ ومع قيمة هذا الرأي وأهميته، إلاّ أنني لا أستطيع الفصل بين ما هو محلي، وآخر عالمي، سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً وعسكرياً؛ لأننا محاطون بشبكة علاقات ليس لنا خيار في الالتقاء مع بعضها، أو معارضتها، ودرجة أهميتها تأتي لأنك جزء من عالم متحرك يؤثر في توجهاتك وأمنك ومصالحك المتشعبة، والقياس على ذلك ما يحدث في محيطنا العربي من تفاعلات حادة طيلة أكثر من نصف قرن، ومن المستحيل عزل نفسك أو اتخاذ الحياد في أمور تهدد مصالحك كلها.. الأمر الآخر أن الكتّاب في الشأن المحلي هم الأغلبية، وقد تتفاوت أفكارهم وطروحاتهم من الحادة إلى الوسطية والمنصفة، وما يبشر بخير أن مساحة النقد بدأت تأخذ شكل المكاشفة الصريحة، وهذا دلالة على أن الكاتب والمتلقي كليهما على وعي تام بمحيطهما، وحتى لو غلبت الرأيَ أمور لا يمكن تحقيقها بسهولة بسبب التقاليد أو الدين، أو عوامل أخرى، إلاّ أن سقف المطالب بدأ يرتفع وبدأت المؤثرات والطروحات تلقيان استجابة لهما، وهذا بحد ذاته قيمة جديدة لصاحب الرأي، وقارئه، ومن يتفاعل معه رسمياً أو أهلياً.. الجانب السياسي ليس له ثبات بسبب الفوارق في القوة، وإدارة هذا العمل لا تخضع للأخلاق والقيم، وهذا ما جعل الحروب والمؤامرات والضغوط تتجه دائماً لتحقيق مصلحة الدولة الأقوى، ونحن في معركة مع الحراك العالمي، وبالتالي فإن مهنة الكاتب تتغير وفقاً لتعاكس الظروف، بمعنى أنه مطالب بأن يكون خط مواجهة مع ما يهدد أمن وطنه، أو سياسته، وهو موقف إلزامي وليس خياراً شخصياً، بنفس الوقت فإن المعالجات لأي شأن عام محلي، أو عالمي، تقوّم حسب دلالاته وتحليلاته المقنعة، وقد لا يكون لتطابق الأفكار أو تعارضها أهمية بقدر ما تؤثر في الجانبين.. ما أعنيه في النهاية، أن الكتابة بصورها وشؤونها المختلفة تبقى صحيفة سوابق تلاحق الكاتب حتى بعد موته، وقد لا تكون الأحكام إيجابية إلا بقدرته على الصدق، وتحمل المسؤولية، ومع ذلك لا يمكن خلق رأي عام لا ينكر عليك رأياً، أو حتى يحاربك من أجله، وفي كل الأحوال فمن سمّى التعاطي مع أي نشاط يُكتب في الصحافة أنها مهنة المتاعب لم يجانب الحقيقة، غير أن النوايا الحسنة تغطي بعض السيئات.
مشاركة :