تختلف الاجتهادات والآراء تبعاً لرد الفعل عليها، فالحديث عن السياسة غير الكتابة عن موضوع فلسفي متطرف يتعرض للمقدسات، تماماً كما هو تأثير بعض الآراء الدينية حين توضع وكأنها ضمن أهداف دولة، وما حدث من ضجة عالمية هائلة حول رأي يقول بنقل الحجرة النبوية كمقترح لأحد الأكاديميين السعوديين ليُتخذ ذريعة هيجت العالم الإسلامي والدولي على المملكة، متناسين كل ما تفعله وتقدمه من توسعة وصيانة للحرمين الشريفين لتضيع في (عجاج) رأي شخص لا يقدر رد الفعل العام وخاصة حساسية المقدسات، وهي الكلمة «التي قالت لصاحبها دعني».. سبق ذلك رأي آخر أثار نفس المشكلة في الحرم المكي عندما اقترح بناء أدوار في الحرم الغاية منها عزل النساء عن الرجال، والمشكل هنا أن مثل هذه الآراء تؤخذ وكأنها مشروع للدولة، وفي هذه الحال نحتاج إلى ضبط نشر مثل هذه المقالات أو الإدلاء بها في أي وسيلة إعلامية؛ حيث فسر الرأي الأخير من قبل جماعات وعلماء وفقهاء بأنه جس نبض من قبل المملكة واختبار لرد الفعل الإسلامي لتقوم بمثل هذه الخطوة، ولعل مسؤولية الكلمة إذا خرجت عن معناها وسياقها تصبح بقوة إطلاق النار، أو الحرائق الكبرى، ومسؤولية الكاتب والناشر، ثم المراقب تجعل ما يُعرف بحرية الرأي أمراً يتجاوز هذا المبدأ تبعاً لأضراره على الدولة والمواطن معاً.. نتذكر بعض هلوسات (القذافي) حين طالب بحذف (قل) من المعوذات في القرآن الكريم، وكيف كانت الإثارة، وكذلك ما فعله الرئيس (بورقيبة) في منع الصوم للعمال، والأكاديمي السعودي الذي طرح فكرته أساء لبلده بحسن نية، فهو محسوب على أكاديمية تقوم معظم مناهجها على تدريس الإسلام بكل مناحيه، ونشر بالمجلة التابعة للرئاسة العامة لشؤون الحرمين، وهي فرصة لمن يحقدون على المملكة بتوظيف هذا الرأي لإثارة قضايا مذهبية وطائفية، وانقسامات حتى بين الطائفة الواحدة في موضوع حساس وخطير، وكان من المفترض على جهاتنا الدينية والحكومية نفي وإدانة هذا الرأي تبعاً لما تركه وسيتركه من سلبيات.. بعض التعليقات كان مسفّاً ومهاجماً إلى حد البذاءة، وآخر أثار حفيظة مسلمين معتدلين وقفوا ضد هذا الرأي وتطبيقه، وبدلاً من إنارة الرأي العام الإسلامي بالأدوار التي تقوم المملكة بها توضع تحت مقصلة من فسروا الرأي وكأنه مقدمة لعمل جاهز، والمشكلة ليس ما أثير في العالم الإسلامي ومراكزه وهيئاته، وإنما بالكتابات والتعليقات التي قامت بها الصحف العالمية وجعلتها قضية قد تؤدي إلى انقسامات إسلامية، وهذا ما نتحاشاه في سياساتنا وأفكارنا وأعمالنا الفعلية، غير أن خطأ بسيطاً ربما يخلق فوضى كبيرة، وقد لا يؤخذ الرأي بأنه مجرد فكرة فردٍ غير مسؤول، وإنما تحمّل المملكة وفقاً لموقعها وقيامها بخدمة الحرمين الشريفين، وهو ما ينسف كل جهد قامت وتقوم به.. خدمة الحرمين الشريفين والمشاريع الهائلة التي قامت بها المملكة لم تتخذها دعاية أو كسب ودّ أحد، معتبرة أن واجبها يتعدى جميع الحيثيات والأقوال، وكل معتمر أو حاج وزائر يرى ما يفوق تصوره في إعمار الحرمين الشريفين.. التهور في الرأي لابد أن يكون له ضوابط وحسابات، لأنه إذا كان يوجد ممنوعات ومحرمات وخاصة ما يثير المجتمع الإسلامي أو غيره، فإن مسؤوليتنا ليس الدفاع عما نعمل، وإنما الوقوف ضد من يسيء لنا أو يرمينا بسوء كلامه وآرائه غير المسؤولة.
مشاركة :