الشاعر والناقد راشد عيسى يتأمل 'جدل التناص بين الفكر والشعر'

  • 5/24/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استضاف ملتقى أربد الثقافي وملتقى المرأة للعمل الثقافي، مساء الاثنين، الشاعر والناقد الدكتور راشد عيسى في محاضرة حملت عنوان :"جدل التناص بين الفكر والشعر" أدار مفرداتها الشيخ هشام مطيع   وسط حضور لافت من الأدباء والمثقفين والمهتمين. واستهل د. عيسى محاضرته بتعريف الفكر فقال: الفكر منتج معرفي يحتمل العقل في العادة مسؤولية إنتاجه وإدارة اتجاهاته في أثناء المرور بشارع الحياة، وهو مجموع الإجابات التي تطرحها أسئلة الإنسان أمام أزمة التعايش بين الواقع والحلم، والفكر متعالق بالوعي والإدراك والمنطق والبرهان والتأمل والحجاج ليصل إلى أعلى مراتبه وهي الفلسفة. وأما الشعر فهو في جوهره منتج شعوري، انفعالي، تخييلي يتحمل الوجدان مسؤولية بثه في محاولة تصالح الإنسان مع واقعه أو حينما تلتبس الذات على ذاتها. ورأى د. عيسى أن الفكر يهدف إلى بلوغ الحقائق، أما الشعر فلا هدف له خارج ذاته، لذلك يقع في منزلة وسطى بين الصدق والكذب أو الحق والباطل، إذن من الخطأ إخضاعه لمعايير الحقائق فهو تخيّل وحلم ويقظة، والإنسان لا يعاقب على إثم فعله في المنام مثلا، ولا على صورة شعرية خرجت على المعقول فعندما يقول المتنبي:  "أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/ وأسمعت كلماتي من به صمم" فإننا نستمتع بجماليات الكذب الفني وحلاوة المبالغة في التفاخر وتعظيم الذات ولا نستخدم مقياس الصحة والخطأ، يقول البحتري: "كلفتموني حدود منطقكم/ والشعر يغني عن صدقه كذبه" حتى في الثقافة الغربية نجد المفهوم حين قال شكسبير: "أصدق الشعر أكثره هلوسه". وبيّن د. عيسى أن الفكر تحضنه نظرية المعرفة والشعر تحضنه نظرية الأدب، ومن حقنا أن نخلخل هذه المفاهيم قليلا: هل العقل حقا هو المسؤول عن إنتاج المعرفة؟ والقلب يتولى إنتاج العاطفة؟ ليس بالضرورة أن تقرّ بهذا، فليس لدينا مقاييس دقيقة حاسمة تفصل وظائف العقل عن وظائف القلب فكلاهما متصل بالنفس، مشيرا إلى أن الفكر الصوفي مثلا يقوم على المعرفة القلبية، فمن البدهي أن يستعير العقل من القلب وأن يستقرض من العقل ليكمل كل منهما دوره، لدرجة أننا يمكن أن نتأمل الصلات الخفية بين عقلانية القلب وقلبانية العقل، فنخفف من سلطة العقل بشاعرية القلب أو نرقى بشاعرية القلب لإلى سلطة العقل. ويؤكد د. عيسى أن جذور هذه الفكرة مألوفة في الأدب العربي من خلال مفاهيم الاقتباس والتضمين، والإغارة، ووقوع الحافر على الحافر، والتخاطر وثلاثية المسخ والسّلخ والنسخ وصولا إلى السرقة الأدبية، والمفاهيم السابقة تؤدي إلى تناص مشروع ما عدا النسخ الذي يعد الشاهد الساطع على السرقة، وعدا ذلك فهو من قبل ظاهرة التأثر والتأثير بين الأدب والفكر بصورة عامة، ولذلك يقول جوته: "إن الأدباء الكبار لم يكونوا كبارا لما قدموه من جديد فكري، وإنما هم كبار لإتيانهم بأساليب جديدة في صياغة الأفكار"، وإلى مثله قال درويش "قصائدي من فسيفساء القصائد الأخرى". ومن أمثلة تناص الشعر مع الفكر ذكر د. عيسى: ما نقف عليه من أبيات عديدة للمتنبي فسقراط يقول "من شعر بالهوان لا يهمه أنواع الذل" أعاد المتنبي صياغة الفكرة: "من يهن يسهل الهوان عليه/ ما لجرح بميت إيلام"، أضاف المتنبي فكرة تأكيدية في الشطر الثاني، لكنها فكرة معدّلة أيضا من سائر: الشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ، ويقول الفيلسوف الإغريقي أبيكور "الماضي لن يعود، والمستقبل غير موثوق به لنا إلا الحاضر" في حين يصوغ الفارسي عمر الخيام الفكرة شعرا: "لا تُشغل البال بماضي الزمان/ولا يأتي الغيب فبل الأوان/ واغنم من الحاضر لذاته/فليس منطبع الليالي الأمان". وخلص د. عيسى إلى قول ديكنسون: أن الكلمة تموت بعد أن تقال، في حين يقول نزار قباني: "كلماتنا في الحب تقتل حبنا/ إن الكلام يموت حين يقال" ويتخاطر الفكر بالشعر أيضا يقول الحطيئة: "أخي جفوة فيه من الأنس وحشة/يرى البؤس فيها من شقاوته نعمى" أي لشدة  فقره يرى الفقر نعيما بسبب اعتياده على الفقر، وإلى مثل ذلك يقول: الفيلسوف الوجودي كيغارد: بشرى الخلاص في متعة اليأس. وفي نهاية المحاضرة دار نقاش موسع مع المحاضر، ومن ثم تم تكريم الشاعر والناقد الدكتور راشد عيسى وسط حفاوة كبيرة.

مشاركة :