في تصعيد جديد لأزمة هدم مقابر المثقفين، ناشدت أسرة الشاعر الراحل محمود سامي البارودي (1838 - 1904) الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخّل لعدم إزالة مقبرته من مكانها، بعدما فوجئت بوضع علامة «إزالة» على جدرانها، إيذاناً بإزالتها في إطار تجديد البنية التحتية والطرق التي تشهدها منطقة السيدة نفيسة في القاهرة، والتي تضم عدداً من مقابر المشاهير والشخصيات التاريخية المؤثّرة في الحركة الثقافية والفنية. وكانت الدكتورة ألطاف البارودي، من عائلة الشاعر، أكدت أنّ الأسرة لم تتلقَ أي إخطارات بهدم المدفن، وتساءلت خلال مداخلة ضمن برنامج «كلمة أخيرة» مع الإعلامية لميس الحديدي (ON المصرية): «الناس والشارعان المصري والعربي يحفظون أشعار محمود سامي البارودي، وهناك دراسات عليا من ماجستير ودكتوراه حولها، فهل يعقل أن تُهدم مقبرته؟». وناشدت السيسي بالتدخّل لإيجاد بديل لهدم المقبرة: «يمكن أن يكون التطوير بإيجاد مَخرج بديل من فوق المقبرة أو بجوارها، لكن هدمها نرفضه جميعاً. كنا نتوقع أنه سيُعامل على أنه رمز تراث وتاريخ، أو يُحوَّل مزاراً للسياحة». ويواكب مناشدات أُسر العديد من الرموز التاريخية بعدم إزالة مقابر ذويهم، تضامنٌ واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر نشر صور تلك الأضرحة، مصحوبة بنداء لإيجاد بدائل للهدم. وامتد رفض إزالة مقابر المشاهير إلى البرلمان المصري، عبر طلبات إحاطة تطالب الحكومة بإيجاد بدائل لمسألة هدم مقابر المشاهير لكونه «اعتداء على التراث والهوية الثقافية»، كما جاء في طلب إحاطة تقدّمت به النائبة المصرية مها ذو الفقار التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «جميع دول العالم تحتفي بمقابر مثقفيها ومشاهيرها، وتُعدّ وجهات ومقاصد سياحية للزيارات التي تُعرّف السائحين بجانب أصيل من ثقافة الدولة ومثقفيها، لا سيما المدن القديمة ذات الطبيعة التاريخية»، مضيفة: «منذ تفجّرت الأزمات المتتالية لهدم مقابر الرموز، وهناك أصوات كثيرة من متطوّعين في مجال العمارة والبناء الذين أبدوا استعدادهم لإيجاد حلول مبتكرة بديلة لعدم هدم تلك الأضرحة التي تُعد جانباً أصيلاً من الإرث الثقافي». وكانت النائبة المصرية تقدّمت بطلب إحاطة بعد استغاثة أسرة الراحل حافظ إبراهيم المعروف بـ«شاعر النيل»، إثر إخطار من محافظة القاهرة بإزالة المقبرة التي تقع في حيّز منطقة جبانات السيدة نفيسة (وسط القاهرة)، من أجل تطوير بعض الخطوط والطرق في هذه المنطقة التاريخية. وسبق أن وافقت لجنة «الثقافة والإعلام والسياحة والآثار» في مجلس الشيوخ المصري على مقترح بإنشاء «مقبرة للعظماء» في العاصمة الإدارية الجديدة، على غرار مقابر «البانثيون» في العاصمة الفرنسية باريس، في محاولة لاحتواء أزمة إزالة أضرحة الرموز التاريخية. فيما يتمسّك خبراء في مجال التراث والعمارة بالإبقاء على الطبيعة التاريخية لمنطقة المقابر في منطقة وسط القاهرة، التي يمكن استثمارها وجهةً ومقصداً سياحياً، وهو الأمر الذي تردّد منذ الحديث عن نقل مقبرة الراحل طه حسين في مايو (أيار) من العام الماضي، مروراً بعدد كبير من الرموز الثقافية؛ ووفق الكاتب ومؤسِّس مشروع «القاهرة عنواني للحفاظ على تراث القاهرة»، محمود التميمي، فإنّ «طبيعة تلك المنطقة التاريخية بما تضمّه من مقابر رموز ومشاهير تُعد جزءاً أصيلاً من نسيج المدينة التي يجب عدم المساس بخصوصيتها»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل أن تتبادل الدولة الآراء حول الحلول المبتكرة بالتعاون مع معماريين ومهندسين وأصحاب الخبرة في هذا الشأن للحفاظ على خصوصية تلك المنطقة التي يمكن أن تتحوّل في المقابل إلى وجهة سياحية كما يحدث في مختلف دول العالم». وكانت محافظة القاهرة أصدرت قرارات بإزالة 2700 مقبرة من منطقة الخليفة والسيدة نفيسة التاريخية ونقلها إلى أماكن جديدة، وتضم تلك المنطقة أضرحة العديد من المبدعين والمشاهير في منطقة التطوير المروري تلك، منها مقبرة الأديب الراحل يحيى حقي الذي نُقل رفاته من مرقده بجوار مقابر السيدة نفيسة إلى مقبرة في مدينة العاشر من رمضان (شمال شرقي القاهرة) رغم استغاثة أسرته.
مشاركة :