لا يستسلم وزير الخارجية الأميركي جون كيري بسهولة، إذ شجع على بذل جهد دبلوماسي جديد في مباحثات السلام السورية في ميونيخ، أخيراً. لكن مع كل العزم الذي أظهره، فإن الأحداث على الأرض تسير ضد تحقيق إنجازات، ليس هذا فحسب، بل إنها تزيد على نحو مطرد الشكوك العميقة بشأن مدى تماسك الاستراتيجية الأميركية والغربية. الأجزاء التي يسيطر عليها الثوار في حلب تقصف من قبل القوة الجوية الروسية إسناداً للميليشيات المدعومة من إيران والقوات الحكومية السورية. وإذا استمرت استراتيجية الإبادة تلك، فإن ميزان القوى في الحرب الأهلية في سوريا سيتغير بشكل جوهري. والحل التفاوضي المقترح من قبل كيري سيكون لاغياً وباطلاً، حيث إنه لن تبقى هناك قوات معارضة سورية لتأخذ مكانها على طاولة المفاوضات. الحقيقة أن الكارثة الإنسانية في حلب وما حولها، ينبغي أن تكون كافية لكي يعاد التفكير بما يجري بكل الأحوال. واستناداً إلى الأمم المتحدة، فإن عشرات الألوف يتدافعون للنجاة بأرواحهم، فيما يجري إلقاء القنابل المتفجرة على مدينتهم. وحلب تواجه خطر الحصار والتجويع والذبح. في أسبوع واحد، انتقلت سوريا من سيئ إلى أسوأ على نحو رهيب. وكيري كان واعياً تماماً لذلك، غير أن هذا لا يستطيع إخفاء الحقيقة القاتمة بأن إدارة أوباما تتأمل الآن في الانهيار الكامل لاستراتيجيتها. المعارضون الذين زعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها أنها تدعمهم على طول الطريق في حلب، بحاجة إلى أسلحة مضادة للدبابات والطائرات، لكن ليس هناك ما يشير إلى تزويدهم بها، وإذا لم يتغير شيء، فان هزيمتهم قد تكون مجرد مسألة وقت. إصلاح متأخر وإصلاح السياسة الأميركية في مثل هذه المرحلة الحرجة من الصراع قد يكون مستحيلاً، لكن بعضاً من المحاسبة لأخطاء واشنطن يعد أمراً ضرورياً. في سوريا، جاءت الخطوط الحمر وولت بخسائر بشرية فادحة. وعلى النقيض من ذلك، أثبتت موسكو أنها أكثر اتساقاً وجذرية في دعمها لنظام الأسد مما كان عليه الغرب وحلفاؤه في مساعدتهم للمعارضة في أي وقت مضى، وليس واضحاً أيضاً ماذا كان يجول بخاطر كيري وهو يزعم أنه: إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، فإن للولايات المتحدة خيارات أخرى. الحقيقة هي أن التورط العسكري الروسي في سوريا قد قيد بشدة الخيارات الأميركية، وأي فكرة عن منطقة حظر طيران محمية من الغرب في شمال سوريا لإيجاد ملاذ آمن للمدنيين والثوار على حد سواء، أصبحت من باب المستحيلات. ومثل هذه الأمور كان لها معنى في وقت مبكر في الحرب، لكن في هذه المرحلة فإنها تعني المخاطرة بمواجهة عسكرية أوسع نطاقاً مع روسيا. وما يتكشف في حلب حالياً يشبه إلى حد كبير حصار سراييفو في التسعينات، لكن هذه المرة من دون إغاثة في الأفق، ومع عواقب لجوء أوسع نطاقاً بما في ذلك داخل أوروبا. وحلب هي بالفعل وصمة عار في جبين الأمم المتحدة، وسجل الإدارة الأميركية أيضاً. تحول قد تكون حصيلة التدخل العسكري الروسي في سوريا، وصول الحرب إلى نقطة تحول كبرى، وهو تحول سيجلب المزيد من المعاناة الإنسانية، وهو تحول من شأنه أيضاً أن يغذي ما يدعى داعش في النهاية، حيث إن الجماعات ذاتها التي نجحت في صد داعش عن حلب خلال عامي 2013 و2014 هي نفسها المستهدفة بالتدمير الآن.
مشاركة :