وقد تكون للسياسات النقدية انعكاسات كبيرة على عدم المساواة في الدخل والثروة، حيث تلاقت مع مسار السياسة المالية. وباتت سياسة السلامة الاحترازية الكلية في الوقت الراهن تشكل مكونا أساسا في تصميم القواعد التنظيمية، فقامت البنوك المركزية عبر الحدود بوضع خطوط فاصلة مكثفة لمبادلات العملات مع نظرائها بهدف معالجة المسائل المتعلقة بالسيولة الدولية. لكن مواطن التعرض للمخاطر الاقتصادية المترتبة على الصدمات الكبرى لم تنحسر تماما حتى الآن. وينبغي لاقتصادات العالم، على أقل تقدير، تعزيز صلابتها لمواجهة تحديات المناخ والطاقة والتحديات الديموغرافية والجغرافية - السياسية وتلك المتعلقة بالإدماج الاجتماعي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يحتاج نموذج السياسات الاقتصادية مزيدا من الإصلاح؟ والأهم من ذلك كله، هل يتطلب تحقيق الاستقرار توطيد التنسيق والمشاركة فيما بين مؤسسات صنع القرار داخل الدول وعلى المستوى الدولي؟ وإن كان الأمر كذلك، كيف يمكن لهذا التنسيق أن يؤتي ثماره؟ والواقع أننا لا نملك أجوبة كافية، لكن هناك دروسا مهمة يمكن استخلاصها من النظريات والتاريخ نرى أن بإمكانها المساعدة على تنظيم طريقة تفكيرنا. وبشأن عودة ظهور "مزيج السياسات" ففي النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، تتضح خطوات عمل مزيج السياسات في نموذج "المخروط" الذي ابتكره الاقتصادي جيمس توبين، الحائز جائزة نوبل: حيث تنشأ الدفعة التنشيطية من مصدرين، هما M -السياسة النقدية- وF -السياسة المالية-، لكن المبلغ الذي يتدفق إلى الاقتصاد مستقل عن الإسهام النسبي لكليهما، فالدفعة التنشيطية الكلية نفسها "أي: الطلب الاسمي" يمكن أن تتولد عن طريق إرخاء الجانب النقدي وتشديد الموازنة أو العكس. وترتفع القيمة الاجتماعية لإجراءات التوسع المالي المضادة للاتجاهات الدورية لتصل أعلى مستوياتها، حيث تكون أسعار الفائدة الأساسية متوقفة عند حدها السفلي الفعلي وبقاء التضخم على نحو مزمن دون الهدف المحدد. ومن ثم فإن الحفاظ على وفرة الحيز المالي اللازم لتحقيق أهداف الموازنة في مثل هذه الأوضاع هو مطلب أساس لفاعلية تحقيق الاستقرار. وهذا هو ما يحفز الادخار التحوطي في الموازنة -بالسيطرة على الإنفاق و/أو الحفاظ على الإيرادات الضريبية- أثناء المرحلة التوسعية في الدورة الاقتصادية. وتوضح النظريات الحديثة رؤية جديدة لكيفية اشتراك تفاعلات السياسة المالية F والسياسة النقدية M في تحقيق الاستقرار في اقتصاد مهدد بالدخول في دوامة الانكماش. ومع بقاء أسعار الفائدة عند الحد السفلي الفعلي، عندما يتسبب الطلب المنخفض في الانكماش، يترتب على ذلك ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، ما يزيد من كبح الطلب. ولتجنب الدخول في هذه الدوامة، لنفترض أن السلطات المالية رفعت مستويات العجز مؤقتا، ولم تلتزم بزيادة الضرائب ولا خفض الإنفاق. ومؤدى ذلك، في حال تساوي جميع العوامل الأخرى، أنها لن تتمكن من إبقاء الدين في حدود يمكن تحملها واحتمال بدء الأسواق المالية في فرض علاوة مخاطر على أسعار الفائدة.
مشاركة :