لنفترض أنه في ظل مستويات العجز هذه التزم البنك المركزي، بصفة مؤقتة أيضا، بضمان القيمة الظاهرية لالتزامات الحكومة القائمة بالقيمة الاسمية، "بهدف استبعاد مخاطر العجز التام عن السداد"، وأنه لم يتحرك لمواجهة أي تغيير في التضخم. وبذلك يكون البنك المركزي بحكم الواقع قد سمح بتعرض الاقتصاد لطفرة حادة في مستويات العجز. وشريطة عدم توقع القطاع الخاص هذه السياسات و/أو كان أجل استحقاق التزامات الحكومة الاسمية القائمة طويلا بالقدر الكافي، فإن ما يتبع ذلك من ارتفاع مستوى الأسعار سيخفض القيمة الحقيقية للدين العام، على نحو يتماشى مع القيمة المخصومة الحالية للفوائض الأولية. جدير بنا أن ننظر في مدى تعقيد هذه الاستراتيجية. فنجاحها متوقف على فكرة أن السلطات النقدية والمالية، في ظروف خاصة، قد تفيد من العمل معا على نحو غير سليم، خصوصا في الظروف العادية. فالميزانية توجد دينا لا يمكن الاستمرار في تحمله، والبنك المركزي بحكم الواقع يقوم بتنقيد هذا الدين. غير أنه لكي ينجح هذا المزيج من السياسات لا بد أن يكون تعليق العمل بقواعد السلوك السليم بصفة مؤقتة ومقتصرا على الظروف الاستثنائية. وهذا ليس بالأمر الهين، فالسياسة الاقتصادية لا تنجح إلا إذا كانت القواعد الدستورية صارمة والمؤسسات النقدية والمالية قوية ومستقلة. غير أنه جدير بالذكر أنه يفترض نجاح هذه السياسة في المسار المعاكس، أي أنه باستخدام الآلية ذاتها، من شأن تحقيق فوائض الميزانية الذي يزيد القيمة الحقيقية للدين أن يساعد على خفض التضخم. وحول استعادة الاعتدال فنتيجة للأسباب الموضحة أعلاه، نجد أن تحقيق الاستقرار في الأسعار وعلى المستوى المالي والاقتصادي الكلي يشكل مطلبا مشتركا حاسما على السياسة النقدية والمالية العامة. فلا بد للبنوك المركزية أن تسعى إلى تحقيق استقرار الأسعار في الأجلين المتوسط والطويل. ولا بد أن تضمن السلطات المالية استدامة القدرة على تحمل الدين، بحيث تقوم بتعديل سياساتها بما يتسق مع أهداف التضخم التي وضعها البنك المركزي، وفي الواقع العملي، ينبغي أن تعمل الحكومة على نحو موثوق بزيادة الفائض الأولي الهيكلي -وبالكثافة الكافية- كرد فعل لأي ارتفاع في رصيد الدين. وهناك آراء قوية في الوقت الراهن تدعو إلى الالتزام بهذه الوصفات على مستوى السياسات في ظل البيئة الحالية من ارتفاع التضخم ومستوى الدين. أولا، حتى إن كان التضخم غير المتوقع يمكن أن يوفر قدرا من التخفيف للأعباء على المالية العامة في الأجل القصير، فإن الإذعان لنظام يتسم بالتضخم المرتفع والمتغير سيؤدي في الأسواق في نهاية المطاف إلى فرض علاوة مخاطر التضخم، أي زيادة أسعار الفائدة. ومن ثم يؤدي حتما إلى زيادة تكاليف الاقتراض الحكومي وتدهور آفاق المالية العامة. ثانيا، نظرا إلى أن الضبط المالي "تخفيضات الإنفاق أو زيادة الضرائب" يسهم في احتواء الطلب الكلي، فإنه يجعل مهمة البنك المركزي أسهل، فالانكماش النقدي قد يكون أقل حدة... يتبع.
مشاركة :