تحدت قدرات الصين العسكرية والاقتصادية غير المسبوقة على نحو متزايد سياسة نيودلهي الخاصة بالاستقلال الاستراتيجي.وربما لا تملك الهند التي بلغت درجة كبيرة من النضج بديلا استراتيجيا للحفاظ على هذا النهج، وبالتالي يتعين عليها، كما يرى المحلل الأمريكي باتريك منديس أن تعمل على نحو يتسم بالانسجام والتعاون مع واشنطن من أجل مصلحتها الوطنية وتراثها الحضاري.وقال منديس وهو دبلوماسي أمريكي سابق وأستاذ للعلوم العسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقيادة البنتاجون في المحيطين الهندي والهادئ، إن وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار ذكر في كتابه بعنوان «طريق الهند.. استراتيجيات لعالم غامض»، أن نيودلهي تعتقد أنها تواجه عودة لا مفر منها إلى التاريخ في الحوكمة الدولية الناشئة لتعدد الأقطاب.وبدأت الصين التي لديها وجهة نظر مماثلة بشأن تعدد الأقطاب وتصور اضمحلال أمريكا، في إعداد نفسها للعصر المقبل، ولهذه الغاية صاغت استراتيجية «التنين الأزرق» لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.تمدد الصينيرى منديس الذي يعمل حاليا أستاذا زائرا متميزا للعلاقات عبر الأطلسي في جامعة وارسو في بولندا في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، أن هذا النهج يشمل توسع البلاد و نفوذها في المناطق البحرية الرئيسية القريبة بدعم من المشاريع العسكرية والاقتصادية، وبدءا من بحر الصين الشرقي، تهدف بكين بالفعل إلى توسيع نطاق تمددها إلى بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي لتطويق الهند.ووضعت الصين عينيها على الدولتين الجزيرتين سريلانكا، الواقعة في قلب المحيط الهندي، وتايوان الواقعة في المحيط الهادئ الغربي لتعزيز مصالحها الوطنية الرئيسية وتحقيق طموحاتها الجيوسياسية منذ فترة طويلة، وبالنسبة لبكين، فإن تايوان إقليم انفصالي تابع للبر الرئيسي الصيني، فيما احتفظت سريلانكا بروابط دينية ودبلوماسية وتجارية مع الصين على مدى قرون.وتم وصف هاتين الدولتين الجزيرتين بأنهما «حاملات طائرات لا يمكن إغراقها»، وتم استخدام هذه العبارة، التي تم نسبها في الأصل إلى الجنرال الأمريكي الراحل دوجلاس ماك ارثر، لوصف تايوان وإبراز أهميتها التاريخية والاستراتيجية لكل من الصين والولايات المتحدة.الروح الحضاريةويبدو أن وجهة نظر إدارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تتناسب جيدا مع النهج الناشئ الخاص بتعدد الأقطاب صوب الحوكمة العالمية، والذي يمكن أن تلعب فيه نيودلهي دور المحاور بين الصين وروسيا والولايات المتحدة.وفي رسالته عبر الفيديو في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية مجموعة العشرين للاقتصادات الرائدة في سرينجار، قال مودي «بينما تجتمعون في أرض غاندي وبوذا، أصلي من أجل أن تستمدوا الإلهام من الروح الحضارية للهند وألا تركزوا على ما يقسمنا ولكن ركزوا على ما يوحدنا».وظهرت الحرب الأوكرانية الروسية كاختبار للهند التي تعتنق المبادئ الأخلاقية لغاندي وبوذا في الشؤون الدولية، ودعت نيودلهي، وهى شريك عسكري منذ وقت طويل لموسكو، إلى إنهاء الأعمال العدائية ولكنها لم تنتقد الغزو الروسي ورفضت دعم قرارات الأمم المتحدة ضد روسيا.خيبة أملويقول منديس إن الولايات المتحدة والزعماء الغربيين الآخرين أصيبوا بشكل ملحوظ بخيبة الأمل ولكنهم تقبلوا حياد الهند وإحجامها عن «إدانة» عدوان روسيا غير المبرر، وعلاوة على ذلك يتفهم هؤلاء القادة، وبصفة خاصة في أوروبا، تاريخ الهند الطويل من الاعتماد على الأسلحة ومصادر الطاقة الروسية.وهناك بعض الإشارات التي تبعث على التفاؤل، ففي السنوات الأخيرة انخرطت إدارات أمريكية متعاقبة مع الهند كشريك يعتمد عليه في التجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والأمن والتعليم.وبالمثل كانت حصة مشتريات الأسلحة السوفيتية القديمة تتراجع تدريجيا لأن الهند بدأت في شراء أسلحة دفاعية من الولايات المتحدة وأستراليا واليابان.وحتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت العلاقات الدفاعية بين الهند وروسيا فيما يبدو تتفكك، وتواصل التفكك على نحو مطرد بعد التوقيع على الاتفاق «بلا حدود» الصيني الروسي في بداية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في فبراير 2022، قبل أسابيع فقط من إطلاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا.مواجهة القوتينوتدرك الصين الآن أن الولايات المتحدة وحلفاءها الديمقراطيين يربطون جهودهم غير المباشرة لإضعاف روسيا في أوكرانيا بمواجهة الصين في أماكن أخرى.ويرى منديس أنه يبدو على نحو متزايد أن مستقبل الهند وإرثها الديمقراطي يعتمدان أكثر على كونهما مرتبطين بالولايات المتحدة، وبدأت هذه العملية مع الاتفاق النووي المدني بين الولايات المتحدة والهند في 2005، والذي أعقبته 4 اتفاقيات أمريكية هندية رئيسية في مجالي الأمن والدفاع واتفاق الحوار الرباعي (كواد).ومع ذلك فإن الاستثمار الهندي في كواد وتدريباتها العسكرية المقترنة بالاتفاقيات الأربع الرئيسية بشأن المشتريات الدفاعية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية والأمن السيبراني، سوف تساعد نيودلهي على الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي في منطقة الجوار وضد القوتين النوويتين الجارتين، وهما الصين وباكستان، التي تعد صديقة لبكين في كل الظروف.واختتم منديس تقريره بالقول إن السؤال الذي يجب على نيودلهي أن تطرحه على نفسها هو أيهما تفضل أن تراه يحدث: الصين وهي تحقق التجديد الوطني والهيمنة العالمية القائمة على أساس القوة الاقتصادية والعسكرية أم منطقة المحيطين الهندي الهادئ وهي تظل آمنة للديمقراطية من خلال انحياز كامل للولايات المتحدة وحلفائها؟أرقام حول قوة الصين 1.412 مليار عدد السكان 3.355 ملايين جندي في الخدمة 510 آلاف جندي في الاحتياط 3260 طائرة حربية 3205 دبابات 35 ألف مدرعة 777 قطعة بحرية 178 مليار دولار أمريكي ميزانية الجيش
مشاركة :