يدخر اللبناني إبراهيم خليفة نحو 500 دولار أمريكي شهريا من وظيفته كمبرمج في شركة معروفة في بيروت لشراء عملة ذهبية أو جمع المزيد من المال لشراء أونصات الذهب كاستثمار وسط حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي في جميع أنحاء العالم. وقال خليفة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لا يمكنني أن أكون واثقا من أن سعر الذهب سيرتفع، لكنني أعتقد أن شراء الذهب أفضل من الاحتفاظ بمدخراتي في مصرف بعد انهيار القطاع المصرفي في لبنان". وفي حين تعد العقارات خيارا جيدا آخر لخليفة، إلا أنه يحتاج إلى المزيد من الأموال للمغامرة في مثل هذا الاستثمار. ومثل خليفة، تدخر ربة المنزل منى حمدان، بضع مئات من الدولارات من التحويل الشهري الذي يرسله زوجها، الذي يعمل في السعودية لشراء الذهب، خوفا من تأثر الدولار الأمريكي بعد إفلاس مصارف في الولايات المتحدة. ويواجه لبنان أزمة مالية غير مسبوقة وسط نقص في احتياطيات النقد الأجنبي، مما تسبب في احتجاز المصارف مليارات الدولارات من ودائع اللبنانيين. وفضل اللبنانيون الذين نجحوا في سحب بعض أموالهم، في الاستثمار في الذهب الذي يحافظ على قيمته على عكس العملات الورقية. وقال جوني مدور، وهو صاحب محل مجوهرات في بيروت، لـ ((شينخوا))، إن الطلب على أونصات الذهب والعملة الذهبية ارتفع بأكثر من 100 % خلال العام الماضي مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة لإدراك الناس أن الذهب يكسبهم ربحا يتراوح بين 10 و15 % على المدى الطويل حتى لو انخفض سعره في وقت ما. وأضاف "بعض عملائنا يطلبون شراء كميات كبيرة مثل 30 أو 40 أونصة بينما يقوم عملاء آخرون بميزانيات صغيرة بشراء الذهب والأونصات عندما يكون ذلك ممكنا بدلا من ادخار الدولارات النقدية". وقال باريحان الحافي، صاحب محل مجوهرات آخر، لـ((شينخوا))، إنه يبيع حاليا عشرات الأونصات ومئات العملات الذهبية في شهر، وذلك مقابل أونصة واحدة فقط أسبوعيا قبل عامين. وأضاف الحافي أنه يرى إقبالا كبيرا من اللبنانيين وكذلك من المصريين الذين يأتون إلى لبنان لشراء جرام الذهب بسعر 60 دولارا وتحقيق ربح في بلادهم حيث يمكنهم بيعه بسعر 90 دولارا للجرام. ورأى أن "هذا هو سبب نفاد العملات الذهبية والأونصات، مما يدفع بعض الناس إلى شراء قلائد وأساور ذهبية بدلا من ذلك للحفاظ على قيمة أموالهم". وقال رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات نعيم رزق لـ((شينخوا)) إن الطلب على أونصة الذهب والعملات الذهبية ازداد بشكل ملحوظ في لبنان العام الجاري وفي عام 2022، مشيرا إلى عدم وجود أرقام دقيقة في هذا الصدد. وسجل عام 2022 لوحده أرباحا لدى تجار الذهب والمجوهرات تعادل الأرقام التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية، بحسب رزق. وأشار رزق إلى أن الزيادة الملحوظة في الطلب على الذهب أدت إلى نقص كبير في السوق اللبنانية، واضطر العديد من التجار إلى الانتظار لاستلام الكميات المستوردة لتلبية الحجم الكبير للطلبات المحلية. وتبريرا للطلب العالمي المتزايد على الذهب، يستشهد رزق بتقرير لمجلس الذهب العالمي قائلا إن بعض المصارف العالمية رفعت قيمة احتياطياتها من الذهب إلى 60 %، وبأوراق نقدية بنسبة 40 % كما أن بعض الدول زادت احتياطياتها من الذهب. وأرجع رزق سبب ارتفاع الطلب على الذهب عالميا إلى عدة عوامل، بينها "الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران، حيث قد تدفع الصين مقابل وارداتها النفطية من المملكة باليوان بدلا من الدولار الأمريكي، مما يشير إلى تراجع الثقة في العملة الأمريكية". وأضاف "علاوة على ذلك، دفع بعض مشترو الغاز في أوروبا قيمة مشترياتهم لروسيا بالروبل كما طلب الرئيس فلاديمير بوتين". وأكد أن العديد من رجال الأعمال لجأوا إلى تحويل جزء من ثروتهم من العملة الورقية إلى المعدن الأصفر. بدوره يعزو الاقتصادي والباحث زياد نصر الدين ارتفاع الطلب العالمي والمحلي على الذهب إلى رفع أسعار الفائدة الأمريكية. وأضاف أن "هذا الإجراء يعكس حالة من عدم اليقين المالي على غرار مجريات الأحداث في لبنان، والتي أدت إلى انهيار النظام المصرفي". وقال نصر الدين "في محافظ ومنازل الكثير من اللبنانيين دولارات أمريكية ويخشون أن تفقد هذه العملة قيمتها، ما يدفعهم إلى شراء الذهب، على أمل الحفاظ على قيمة أموالهم". وأشار إلى أن "قيمة مشتريات الذهب في لبنان بلغت في عام 2022 نحو 1.37 مليار دولار، وهو رقم مرتفع للغاية مقارنة بسكان لبنان، وبالتالي فهو مؤشر على تراجع الثقة بالدولار الأمريكي". ويشهد لبنان منذ عام 2019 أزمة مالية واقتصادية حادة صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الـ 19، وقد انعكست هذه الأزمة في شح العملة الأجنبية وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وفرض قيود على سحب الودائع المصرفية وتوقف الحكومة عن سداد الديون الخارجية والداخلية.
مشاركة :