يفتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي خالف التحليلات والتوقعات، وفاز بالرئاسة في واحدة من أعنف المعارك الانتخابية في تاريخ البلاد، ولايته الجديدة التي ستمتد إلى 2028، وسط ترقب لكيفية تعامله مع 3 ملفات رئيسة سيطرت على المشهد الانتخابي، وشكلت عاملاً محورياً في توجهات الناخبين، وهي، السياسة الخارجية وعلاقة تركيا مع الغرب وروسيا، وقضية اللاجئين، والأزمة الاقتصادية. وقال أردوغان (69 عاماً)، في خطاب النصر، أمس الأول، إن أبواب رؤية «قرن تركيا» فُتحت تماماً بفوزه مجدداً، لكن طريقة تعامله مع هذه الملفات الثلاثة، ستحدد المسار الذي ستسير فيه تركيا، وإذا كانت السنوات الخمس المقبلة ستكون مجرد امتداد للنهج الذي اعتمده أردوغان طوال 20 عاماً قضاها في الحكم، أم ستحمل تغييرات قد تؤدي إلى نتائج مختلفة، بعد أن ساهمت الأزمة الاقتصادية الأخيرة في محو الكثير من إنجازات أردوغان الاقتصادية كما اضطر إلى تغيير سياساته الإقليمية. في الملف الأول، أي العلاقة مع الغرب والسياسة الخارجية، كان لافتاً إعلان أردوغان في خطاب النصر، أنه سيعزز العلاقات مع روسيا. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحداً من بين الكثير من زعماء العالم الذين خالفوا البروتوكول وهنأوا أردوغان بالفوز حتى قبل صدور نتائج الاقتراع، لافتاً إلى أن «سياسة أردوغان الخارجية المستقلة» هي أحد أبرز أسباب انتصاره. غير أن المراقبين يشيرون إلى أن الدور الذي تلعبه تركيا في عدة ملفات دولية، خصوصاً في أوكرانيا، حيث تمد كييف بالأسلحة كما أنها توسطت في اتفاق تصدير الحبوب، إضافة إلى دورها في ملفات سورية وجنوب القوقاز وملف توسيع حلف «الناتو»، يفرض على الغرب ضرورة التكيف مع أردوغان. وأجرى الرئيس الأميركي جو بايدن أمس اتصالاً مع أردوغان، بعدما هنأه أمس الأول مع صدور نتائج جولة الإعادة. وأحدث أردوغان تحولاً عميقاً في تركيا من خلال سياسة خارجية منفتحة على شرق آسيا ووسطها على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين، الذين حاول التقرب منهم في البداية عند وصوله إلى السلطة. وتشهد العلاقات الأميركية ــ التركية اضطراباً مستمراً منذ سنوات، وصل إلى الذروة مع إصرار أنقرة على شراء نظام «اس 400» الروسي للدفاع الجوي، ما دفع واشنطن إلى حرمانها من الحصول على مقاتلات إف 35 الحديثة. كما تراجعت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بعد محاولة انقلاب 2016 وما تلاها من تحويل نظامها إلى رئاسي. وفي ظل وصول المفاوضات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد لطريق مسدود تقريباً، توقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير ألا تتغير علاقات تركيا مع «الأوروبي» خلال ولاية أردوغان الجديدة، مشيراً إلى أن الغرب سيستمر في رؤية الرئيس التركي كـ «شريك صعب ومهم» للمصالح الاستراتيجية. أما الملف الثاني، فسيكون على أردوغان التعامل مع قضية وجود 3.4 ملايين لاجئ سوري على الأقل ومئات الآلاف من الأفغان والإيرانيين والعراقيين، التي برزت كأحد العناوين الرئيسية للانتخابات الرئاسية. وسيكون على أردوغان الموازنة بين تعهده بعدم إعادة اللاجئين السوريين عبر «الطرد أو الإجبار»، وبين الوعود التي يبدو أنه قدمها للقوميين الذين يرغبون في تخفيض عدد اللاجئين. وعلى غرار القادة الآخرين في المنطقة، يعمل أردوغان أيضاً على حل الخلافات مع الرئيس السوري بشار الأسد. ولا تزال تركيا تحتفظ بوجود عسكري كبير داخل سورية، وتشترط لانسحابها ترتيبات أمنية مع دمشق بخصوص الأكراد، وكذلك إنهاء تداعيات الحرب السورية بما فيها قضية اللاجئين. ثالثاً، كان الجانب الاقتصادي أحد نقاط القوة الرئيسية لأردوغان في العقد الأول من حكمه، إذ تمتعت تركيا بازدهار طويل الأمد مع إنشاء طرق ومستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة. إلا أن السياسات الاقتصادية غير التقليدية، التي اتبعها الرئيس التركي بهدف تحقيق النمو، أدت إلى هبوط قيمة الليرة 80 في المئة على مدى السنوات الخمس الماضية وتكريس مشكلة التضخم وانهيار ثقة الأتراك بعملتهم. وقالت مصادر مطلعة بالحكومة لـ «رويترز»، في الأيام الماضية، إن خلافاً يدور بشأن هل يجب التمسك بالاستراتيجية الاقتصادية الحالية التي تعطي الأولوية لأسعار الفائدة المنخفضة أم التحول إلى سياسات تقليدية بدرجة أكبر بعد الانتخابات. وتتجه الأنظار الآن إلى احتياطيات العملات الأجنبية والليرة مع تجاوزها مستوى 20 مقابل الدولار، وهي أحدث محطة رئيسية في رحلة هبوطها الطويلة. وأكد دارون عاصم أوغلو الأستاذ في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، أنه من «الصعب التكهن بما إن كانت ستحدث أزمة أو توقيت حدوثها»، ومن المتوقع أن يعزز الموسم السياحي القوي الاحتياطيات مرة أخرى في الأمد القصير. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، توقع محللون لدى «جيه.بي مورجان»، أن تنخفض الليرة إلى مستوى 30 مقابل الدولار في غياب تحول واضح نحو سياسات تقليدية. ووعد أردوغان بزيادة الدخل وإعادة بناء البلاد بعد زلزال فبراير، إلا أن المستثمرين يشعرون بالقلق من أنه إذا تعافى السوق مرة أخرى، فقد تلجأ السلطات إلى المزيد من ضوابط رأس المال الصارمة بينما تسعى لسد فجوة التمويل الخارجي البالغة 230 مليار دولار أو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
مشاركة :