أنقرة - يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتبارا من اليوم الاثنين مهمة صعبة تتمثّل في توحيد بلاده التي تشهد انقسامات عميقة، بينما يعتبر تمديد حكمه إلى العام 2028 ضربة كبرى للمعارضة التي اتهمته بتقويض أسس ديمقراطية وبالاستحواذ على سلطات أكبر فأكبر للرئاسة وهي اتهامات ينفيها. ورغم قوة ائتلاف المعارضة والأزمة الاقتصادية الخانقة والغضب الشعبي واسع النطاق عقب زلزال فبراير/شباط، نجح الزعيم التركي الذي قضى أطول فترة في الحكم في هزم منافسه العلماني كمال كيليتشدار أوغلو في الدورة الثانية من الانتخابات الأحد. لكن الفارق البالغ أربع نقاط كان الأقل الذي يحققه أردوغان في أي انتخابات، ما يؤكد على الاستقطاب الذي سيواجهه الرئيس المحافظ ذو الخلفية الإسلامية في ولايته الرئاسية الثالثة والأخيرة. وحاول الرئيس التركي تبني نبرة تصالحية في خطابه بمناسبة الانتصار أمام الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا خارج القصر الرئاسي في أنقرة، داعيا الأتراك "للاتحاد والتضامن"، أما كيليتشدار أوغلو فتعهّد "مواصلة الكفاح" ضد أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ العام 2002. وقال الأكاديمي بورا إييمايا البالغ 28 عاما "علمتنا الأجيال السابقة أن نكافح.. لن نخسر أو نفقد الأمل في هذا البلد بسبب انتخابات واحدة.. سنقاوم ونقاتل حتى النهاية"، بينما احتفل أنصار أردوغان بفوزه في أول جولة إعادة في تاريخ تركيا. وقال البائع المتجول غورسل أوزكوك (65 عاما) في أنقرة "فاز الشخص المفيد لبلدنا. أشعر بالسعادة نظرا لمعتقداته. لا أهمية للأمور الأخرى. البلد أولا"، في حين عنونت صحيفة "صباح" الموالية للحكومة على صفحتها الأولى اليوم الاثنين "فاز رجل الشعب". وأكد إمره بركر من مجموعة أوراسيا الاستشارية أنه بعدما حشد ائتلافا ضم ناخبين قوميين ومحافظين ومتديّنين، "سيؤكد أردوغان على سياساته الشعبوية.. الاستقطاب السياسي موجود وسيبقى". ويعد التخفيف من حدة أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بتركيا منذ تسعينات القرن الماضي من أبرز أولويات إردوغان الذي استند على سنوات من التنمية عبر مشاريع بنى تحتية وازدهار قطاع البناء لاكتساب شعبية هائلة وقاعدة انتخابية مخلصة لم تتخلى عنه. لكن نسبة التضخم باتت تجاوز 40 في المئة وهو أمر فاقمته جزئيا سياسة أردوغان غير التقليدية القائمة على خفض معدلات الفائدة في محاولة للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار. ويشير محللون إلى أن تعهّدات الرئيس التركي خلال حملته زيادة الإنفاق وتمسكه بمعدلات الفائدة المنخفضة ستفاقم الضغط على احتياطات البنوك من العملات والليرة التي تراجعت مقابل الدولار اليوم الاثنين. ورأى تيموثي آش من "بلو باي لإدارة الأصول" أن "النموذج الحالي غير قابل للاستدامة"، مشيرا إلى عشرات مليارات الدولارات التي ضخها المصرف المركزي لدعم الليرة، محذرا من أنه في حال رفض أردوغان التراجع عن موقفه حيال معدلات الفائدة والتخلي عن الليرة، "فقد يصبح الوضع سيئا". وما زالت جهود إعادة البناء في جنوب شرق تركيا في مراحلها الأولى بعد زلزال فبراير/شباط الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص ودمّر مدنا بأكملها. وفاقمت الكارثة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا إذ خسر مئات الآلاف مصادر رزقهم بين ليلة وضحاها فيما خفض خبراء توقعاتهم للنمو في تركيا للعام 2023، بينما تقدّر كلفة الأضرار بأكثر من مئة مليار دولار. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين من أوائل قادة العالم الذين سارعوا لتهنئة أدوغان الذي يواجه العديد من المعضلات الدبلوماسية. وينتظر شركاء تركيا في حلف شمال الأطلسي موافقتها على طلب السويد الانضمام إلى التحالف الدفاعي الذي تقوده واشنطن. وعرقل أردوغان المسعى متهما ستوكهولم بإيواء شخصيات من المعارضة التركية يشتبه بارتباطهم بمجموعات كردية محظورة.، بينما يتوقع مراقبون أن يواصل الرئيس التركي لعب دور الوسيط بين روسيا والغرب، بما يصب في مصلحة أنقرة. وقال غالب دالاي من معهد تشاتام هاوس "خمس سنوات جديدة في ظل حكم أردوغان تعني المزيد من الموازنات السياسية بين روسيا والغرب"، مضيفا "ستنخرط تركيا والغرب في تعاون براغماتي أينما أملت المصالح ذلك ولن تنضم إلى العقوبات الغربية على موسكو ردا على حرب أوكرانيا وستسعى إلى علاقات مربحة اقتصاديا". ولا تزال العلاقات مع سوريا فاترة بعدما دعمت تركيا فصائل مسلحة مناهضة للرئيس بشار الأسد خلال الحرب. وفشلت محادثات جرت مؤخرا برعاية روسيا في تحقيق اختراق باتّجاه تطبيع العلاقات. ويتزامن اليوم الاثنين أيضا مع ذكرى غزو القسطنطينية من قبل العثمانيين، وهي مناسبة تحمل أهمية رمزية بعد فوز إردوغان ونيل حليفه اليميني القومي أغلبية في البرلمان.
مشاركة :