خشبة «الفجيرة للمونودراما» تستدعي الواقع العربي

  • 2/22/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التقى الجمهور المعني بالمسرح والموسيقى وفنون الأداء، الذين أتوا من أقاصي الشرق والغرب، إما لأول مرة أو لمرات عدة، تحت مظلة مهرجان الفجيرة الدولي للفنون في دبا الفجيرة، لمتابعة فعاليات المهرجان بشقيها الموسيقي والمونودرامي. ولعل أبرز ما يميز هذا المهرجان عن غيره، هو الحوار اليومي المفتوح والتلقائي بين الجمهور من فنانين ونجوم وعشاق للفن، ليجتمعوا في رحاب القرية التراثية بجمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون والمسرح قبل العروض. حيث ضمت فعاليات اليوم الثاني من المهرجان بدبا الفجيرة، 3 عروض، اثنان منها للمونودراما هما المغربي عمشوطة والجزائري ميرة، ليفصل بينهما عرض للفرقة الموسيقية البرازيلية إمباوبا التي قدمت معزوفات فريدة مستوحاة من عوالم الطبيعة، في وقت تناول فيه عرضا المونودراما وجوهاً مختلفة من واقع الإنسان العربي. عمشوطة في عرض عمشوطة الذي أقيم بقاعة مسرح بيت المونودراما، فوجئ الجمهور بطلب القائمين على العرض، بانتقاله إلى الخشبة والجلوس في مقهى عمشوطة، ليصبح جزءاً من رواده ومشاركاً بالعرض مع بطلته جليلة التلمسي، المرأة الحامل بتوأم وتدير المقهى وتحمل اسمه، حيث دفع ارتجال عمشوطة في تواصلها مع الجمهور. والوقوف على خدمتهم وحوارها معهم إلى خلق حالة جديدة، ساهمت في ارتجال الجمهور أيضاً، ليتابع ويستغرق في سرد عمشوطة لمأساتها النابعة من ظلم صاحب المقهى الذي يقرر الاستغناء عن خدماتها بعد عملها معه لمدة 15 عاماً، بحجة أنها تبدو قبيحة بحملها، ولا يرغب بعملها في المقهى العصري الجديد الذي سيفتتحه ويتطلب نمطاً جديداً من الخدمة. وتدريجياً يتعرف الجمهور على حكايتها التي تبدأ من إلغاء صاحب المقهى لاسمها الحقيقي لتتبنى هي اسم المقهى ومن ثم فرضه عليها الزواج من أحد معارفه الذي يهجرها ويخونها مع اسبانية تعرف كيف تتبرج. عمل نوعي ويتداعى عالم عمشوطة أمام الجمهور حين تفقد الأمل بالحياة، وتقبض على صاحب المقهى وتطلب من الجمهور كرسياً لتقوم بتقييده عليه، ليلحق الدور الشابة حمامة التي خانت صداقتها واتفقت معه، وتحمل سكينها مهددة الاثنين وهي تسرد مأساتها، وتتساءل إن كان عليها قتلهما أم قتل التوأمين قبل ولادتهما، لا سيما وأنها لم تعد تملك شيئاً في الحياة لا الأب أو العمل لترعاهما وتوفر لهما حياة كريمة. واستطاع مؤلف ومخرج العمل حمزة بولعيز والممثلة جليلة من فرقة فرجة للجميع بتقديم عمل نوعي، سواء في إدخال الجمهور كشريك فاعل بالعرض أو في تداعياته بين مواقف كوميدية مرتجلة في البداية وصولاً للذروة الدرامية مع انهيار عالم جليلة الداخلي. أما المآخذ على العرض فتمثلت في إطالة هامش الارتجال مع الجمهور، ما تسبب بفقدان الاستئثار باهتمامه، والاعتماد على اللهجة المحلية التي وجد الجمهور العربي صعوبة في فهم جزء كبير من الأحداث، ما دفع البعض إلى سؤالها مباشرة عن بعض الأحداث. أما الجمهور الغربي فكان يسأل من بجواره من العرب ليشرح له ما يجري أو هوية الرجل أو المرأة اللذيّن قيدتهما. ميرة والعرب أسوة بالدورة السادسة من مهرجان المونودراما قدم مسرح موزاييك الجزائري عرضاً نوعياً بمختلف المعايير، والتحدي الجديد الذي قدمته الممثلة سعاد جناتي وزوجها المؤلف والمخرج بوسهلة هواري هشام، في عرضهما ميرة، تمثل في تقديم فرجة بصرية تعتمد على بساطة الطرح لتصل إلى مختلف شرائح المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى التقشف في الأدوات بعيداً عن الإبهار. وتابع الجمهور على مدار 55 دقيقة من دون ملل، حكاية ميرة التي تعكس مأساة الواقع الذي يعيشه الإنسان العربي في ظل الظروف المضطربة، التي عاشتها الجزائر في عشريتها السوداء قبل وصولها إلى غيرها من البلدان العربية. تبدأ الحكاية مع ميرة اليتيمة بائعة الدمى التي تصنعها من القش وتبيعها في السوق لتنادي دمية سمراء بعينيها ألف سهرة وسهرة.. دمية شقراء بعينين سماوية، وصباطها مني هدية.. دمية بعيون نايمة وألوان زاهية تغني بالصينية، لتقرأ بعد رسالة وصلتها من حبيبها الذي يخبرها عن احتراق المدينة والدمار وعدم تمكنه من الوصول إليها. وتعيش ميرة حياتها كأي فتاة تحلم بالمستقبل وبتتويج حبها بالارتباط، لكن الواقع يفرض نفسه عليها، حينما تبدأ المظاهرات ليتم اعتقالها ويبدأ التحقيق معها بأسلوب الإرهاب عن الجماعة التي تتعاون معها لينتهي الأمر باغتصابها قبل الإفراج عنها. وما إن تعود إلى كنف جدتها المريضة تلتمس العزاء حتى يتم اعتقالها من قبل جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبعد التعذيب والتحقيق تواجه مأساة الاغتصاب مجدداً. لتخرج منكسرة الروح، وقبل جمع دماها والرحيل، تعاود قراءة رسالة حبيبها لتقول لنفسها: اللعبة انكشفت.. تأخرت كثيراً ياعزيزي.. كانت حكاية وقت. قوبل العرض بتصفيق الجمهور، لاسيما وأن الفرجة البصرية حملت العديد من مشاهد الإبهار اعتماداً على الربط من الحالة الإنسانية والإخراج، مثل الأسلوب الإخراجي في انتقال الممثلة من أداء شخصية المحقق إلى ميرة في محيط عربة الدمى ما ساهم في تصعيد المشهد الدرامي. وكذلك مشهد الاغتصاب الأول المؤثر الذي كان قمة في الإبداع الفني، حيث أخرجت ميرة من تنورتها المتعددة الألوان شريطاً طويلاً من القماش الأحمر الذي حولته بحركتها إلى أمواج متدافعة أمامها، جعلت الجمهور يصفق طويلاً ويعود إلى صمته التام، بانتظار متابعة الحكاية.

مشاركة :