في واقعة صادمة، قضت محكمة مصرية أول من أمس بسجن الروائي والصحافي المصري أحمد ناجي سنتين، وتغريم رئيس تحرير صحيفة «أخبار الأدب» طارق الطاهر، 10 آلاف جنيه، بعد إدانة الأول بـ «خدش الحياء العام»، والثاني بـ «التقصير في واجب الإشراف». وصدر الحكم بعد أقل من شهرين على تبرئة ناجي والطاهر من القضية المعروفة إعلامياً بـ «محاكمة الخيال»، لتعلقها بنشر فصل من رواية ناجي «استخدام الحياة»، الصادرة عن دار «التنوير»، في أحد أعداد «أخبار الأدب». وأصدرت حكم الإدانة محكمة مستأنف بولاق أبوالعلا، في ثاني جلسات نظر القضية، في حضور المتهمين، ومن ثم جرى توقيف الأول لترحيله إلى السجن، وصرف الثاني بعد أن دفع مبلغ الغرامة. وكانت «أخبار الأدب» نشرت في عددها رقم 1097 فصلاً من رواية «استخدام الحياة» لأحمد ناجي ضمن ملف عن القاهرة، وفوجئ الكاتب ببلاغ من «قارئ»، يزعم أن الفصل المنشور «يخدش الحياء العام»، وأن النيابة أحالته على المحكمة. وذكرت النيابة، في أمر الإحالة أن «الاتهام ثابت على المتهمين وكافٍ لتقديمهما إلى المحاكمة». وأوضحت النيابة، أن طارق الطاهر، قال عندما سألته عما إذا كان راجَع «المقال» إنه «راجع العنوان من دون قراءة النص كاملاً وإنه ما كان ليسمح بنشره إذا قرأه تفصيلياً». ولم تلتفت محكمة الاستئناف للطلب المقدّم من رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب السابق أحمد مجاهد للشهادة لتوضيح عدم صحة الاستناد إلى أن «الرقابة لم تُجِز الرواية». وكانت محكمة جنح بولاق، قد قضت في 2 كانون الثاني (يناير) الماضي، ببراءة ناجي، والطاهر، لكن النيابة قررت استئناف ذلك الحكم. ووفق ما قاله المحامي محمود عثمان؛ من «مؤسسة حرية الفكر والتعبير» لـ «الحياة» فإن ناجي ينتظر استشكال تنفيذ الحكم، لمطالبة النائب العام بوقف تنفيذه». وقال عثمان: «لم يُتلَ علينا الحكم بالإدانة، ولم يكن مكتوباً بل سمعنا القرار من حرس المحكمة»، لافتاً إلى «التعنّت الواضح والتأخير المتعمّد من قبل المحكمة، والمخالفة الصريحة لبنود الدستور في المادة 67 التي تمنع أي عقوبة حابسة للحريات للمبدعين». وتنص تلك المادة على أن «حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة النهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، وﻻ يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إﻻ عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري». وكانت المحكمة التي برَّأت ناجي والطاهر استمعت إلى شهادتين في مصلحتهما من الكاتبين محمد سلماوي وصنع الله إبراهيم. واحتفت «أخبار الأدب»، في عددها الصادر أمس والذي طبع قبل صدور حكم الإدانة، بحيثيات البراءة، التي نوَّهت بشهادتي سلماوي وإبراهيم وتأكيدهما أن «العمل الأدبي لا يمكن الاقتطاع من سياقه أو أخذ جزء منه وترك الآخر، كما أن العمل الأدبي هو كيان واحد إذا انقطع منه جزء انهار ذلك العمل». وجاء في الحيثيات أن المحكمة ترى أن «تقييم الألفاظ والعبارات الخادشة للحياء هو أمرٌ يصعب فيه القول إن المتهم الثاني قد أخلَّ بواجب الإشراف على جريدته ما أدى إلى نشر «المقال» محل الاتهام». وأكدت الحيثيات انتفاء القصد الجنائي الخاص لدى المتهمين، ومن ثم برَّأتهما مما نسب إليهما وألزمت رافع الدعوى بدفع أتعاب المحاماة. جابر عصفور: الحكم غير دستوري اعتبر وزير الثقافة المصري السابق الناقد جابر عصفور، أن الحكم على الروائي أحمد ناجي بالحبس عامين، يدل على أننا دولة ذات وجهين، وجه ينادي بسيادة الدستور والقانون، والآخر لا يعترف بدستور ولا بقانون. وأكد عصفور، في تصريح صحافي، أن «هذا الحكم يعيد إصدار الأحكام القضائية التي أودت بحياة نصر أبوزيد وفرج فودة، وفي القضية نفسها قاضٍ يبرئ وآخر يصدر حكماً مشيناً، وهذا أمر يجعلنا نسأل أنفسنا عن معتقدات القضاة الحقيقية ما بين المؤيد لدولة مدنية حديثة وآخر إخواني الهوى». وأضاف: «هذا الحكم يعد فضيحة جديدة للدولة المصرية أمام العالم في الخارج، وفصل جديد من فضائح الحريات، الحكم غير دستوري»، متابعاً أن المسألة في تكرارها على هذا النحو مؤشر يهدد وجود ما تكلم عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطابه الأخير بأنه يريد أن يبني دولة مدنية ديموقراطية حديثة. وأشار إلى أن القاضي أصرَّ على إصدار حكمٍ سالبٍ للحريات، ومخالفٍ للدستور، لافتاً إلى أن الدستور المصري حتى الآن غير مُفعَّل، ويجب على أعضاء مجلس النواب (البرلمان) تحويل المواد الدستورية إلى مواد قانونية، مشدداً على ضرورة أن يتخذ المثقفون موقفاً رادعاً لتلك الأحكام السالبة للحريات. مؤتمر عاجل للمثقفين ودعا منتدى «ورشة الزيتون» إلى عقد «مؤتمر عاجل»، للمثقفين، للدفاع عن حرية التعبير، عقب الحكم بحبس الكاتب أحمد ناجي. وأصدر المنتدى بياناً طالب فيه ممثلي الاتجاهات كافة ومؤسسات المجتمع المدني، بمواجهة الأخطار المحدقة التي تحيط بحرية التفكير والإبداع والتعبير. وقال مدير المنتدى الشاعر شعبان يوسف: «لا بد من وقفة حقيقية أمام الاتهامات الغريبة، من نوعية خدش الحياء، في ظل ما تدعو إليه الدولة من تجديد الخطاب الديني، ووضع الثقافة في المواجهة». وأضاف: «نحن جميعاً نقف أمام التحركات الداعشية بأساليبها كافة، بداية برفعها السلاح في وجه الأبرياء في كل مكان في العالم، مروراً باغتصاب الفتيات وتهجير المواطنين من بلادهم، حتى تكميم الأفواه وغلق الصحف والتمثيل بالكتّاب بطرق مختلفة». وتابع: «نحن إذ نعبّر عن اندهاشنا من ذلك المنحى الانتكاسي في حرية التفكير، نطالب بعقد مؤتمر واسع، وعلى نحو عاجل». «احرق عملك الإبداعي»... احتجاجاً وسعى عدد من الكتاب والفنانين الشباب إلى تدشين حملة تحت عنوان «احرق عملك الإبداعي»، على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وتجميع نسخ من أعمالهم الإبداعية سواء كانت كتباً أو صوراً فوتوغرافية أو لوحات فنية، وحرقها أمام مقر دار القضاء العالي في القاهرة، احتجاجاً على إدانة الكاتب أحمد ناجي بتهمة «خدش الحياء العام». وقال الكاتب سامح قاسم، «إننا نحن في بلد لا تقرأ، وفي الوقت نفسه فإن الدولة التي تشهد عمليات قتل يومية في الشوارع لمواطنين عاديين، وحالات اختفاء قسري، يتم فيها الحكم بالحبس على الكتاب ومنع كتبهم ومصادرتها في الكثير من الأحيان، بينما يتم تجاهل العديد من القضايا الحيوية التي تمس المواطن». وأضاف أنه لا يعترض على أحكام القضاء، «لكن في الوقت نفسه المهزلة تكمن في أن تتم إحالة المبدعين على القضاء، بينما يتم الإفراج عن من يدّمرون هذا البلد». وقال الكاتب أحمد صوان، إن الكثيرين يعترضون على ناجي وأسلوبه، لكن الأمر يتعلق بالفكرة والخيال، حيث نصّب بعض منهم أنفسهم حماة لما يدعون أنه الفضيلة بينما حياتهم الخاصة مليئة بما يبدو أمامه وصف ناجي أو غيره ضئيلاً... لا أحد يعترض على أفكار الآخرين إلا لو كان يريد غرس فكرة أخرى بعيدة من الحرية، ربما كانت هذه المرة ذريعة أن ناجي يخدش الحياء، بينما يحققون هم للبرنامج البذيء الذي يقدمه محمد سعد أعلى نسب المشاهدة». وأشار صوان إلى أنه «مِن قَبل ناجـــي تم حبس إسلام بحيري والتهديد بحبس فاطمة ناعوت لمجرد اختلاف أفكارهم عن السائد... المرة المقبلة ربما يكون ضحية الحسبة المجتمعية التي لا أساس لها قتيلاً وليس سجيناً». فيما أوضح الناشر والقاص زياد إبراهيم عبدالمجيد، أن «الحكم على أحمد ناجي بسبب كتاباته هو العبث ذاته، لأن محاكمة الخيال شىء واهٍ جداً، فلا يمكن أن تكون دولة بحجم مصر تتصدر المراكز الأولى في البحث على جوجل عن مواقع إباحية يُخدَش حياؤها بسبب رواية».
مشاركة :