هاج «فايسبوك» قبل أيام، بعد أن تداول مستخدمو الموقع في لبنان والعالم العربي في أفضل الأحوال، صوراً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تحت عنوان «قاوم بصورة». هذا العنوان اعتبره ممانعو «فايسبوك» انتصاراً لا ريب فيه، فمؤسس الموقع مارك زوكربيرغ تلقى الصفعة الأهم في حياته بعد أن نظّم «شباب المقاومة» حملة موحّدة الصفوف تحت هذا الوسم. في لمحة سريعة لأبرز المواقع المؤيِّدة لهذه الفئة، سنلاحظ بما يقطع الشك أن الانتصار الفايسبوكي يشبه الانتصارات الإلهية، فهو مستمد من المصدر نفسه والجمهور نفسه والنتائج نفسها. بدأت «التنسيقية» الترويج للوسم بحجة أن وضع صورة نصر الله على الحسابات الشخصية لا ينافي شروط الخصوصية التي يعتمدها «فايسبوك». وحاجج أحدهم بأن الصور التي يضعها المستخدمون على حساباتهم الشخصية، سواء كانت لنصر الله أو لغيره، تعبيرٌ عن الحرية الشخصية التي لا تؤذي أحداً، بل تعبّر عن جملة من القيم والعادات و «النصرة» لهذا الموقف وهذا الصف. وحتى الساعة، لم تسفر هذه الحملة عن أي نتيجة ملموسة على الصعيد العالمي، إذ لم يتأثر «فايسبوك» أو مؤسِّسه بهذه الحملة، ولم يغيّر أياً من شروط الخصوصية التي قد تؤدي في بعض الحالات الى حظر الحساب الذي يضع صورة نصر الله أو صوراً مشابهة. وفي قراءة سريعة للأحداث، سنلاحظ أيضاً أن منطق الانتصار الإلهي لا يزال سارياً منذ فجر التأسيس المزعوم، فهذا الانتصار الذي لا يمكن أن يضاهيه أي انتصار آخر لجهة أخرى، «صفع مارك» تارة، وانتصر عليه طوراً، أو على الأقل هذه اللغة التي طغت على مجمل ما كُتب في السياق. لعلّ مفهوم الانتصار هنا يضيء الواجهة العامة لمفاهيمنا المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي. فلنأخذ «فايسبوك» مثلاً، فهو يمتلك ما يزيد عن 1.23 بليون مستخدم نشط في العالم وفق إحصاءات 2014، وهو في ارتفاع مستمر. أما العالم العربي برمته، فلا يضم أكثر من 12 مليون مستخدم نشط شهرياً. وفي عملية حسابية بسيطة، يمكن الاستنتاج أن العالم العربي يمثل في أفضل أحواله نحو 10 في المئة من مجمل المستخدمين. وعلى رغم هذه النسبة الصغيرة نسبياً مقارنة بالصورة العامة، فإن الانتصار لا يزال حاضراً منذ ما قبل حرب تموز (يوليو). هو الانتصار نفسه يعود يومياً في صورة مختلفة لا يمكن دحضها. فالحزب الإلهي الذي انتصر في تموز وقبله على حركة المقاومة الوطنية وحركة أمل، ولاحقاً على «داعش» في سورية بحجة منعه من الوصول الى لبنان، وبعدها انتصر على «داعش» في لبنان أيضاً، سجّل انتصاراً جديداً هذه المرة على زوكربيرغ. اللافت في بعض الموضوعات على موقع «صديق» للمــقاومة، جــملة تكاد تفسّر حالنا في العالم العربي. ويقول الكاتب إن الناشطين الذين نشروا هذا الوسم على مختلف وسائل التواصل سيطروا في صورة «شبه تامة على موقع فايسبوك، ومحرك البحث غوغل ينطق بكلمة واحدة (السيد نصر الله)». قد يصحّ قول الكاتب في بعض الحالات، إذ يمكن إثبات أن صور نصر الله تصدرت جدار الكاتب وأصدقائه، كما يمكن فهم مصدر الصور الموجودة على غوغل أيضاً. لكن ما فات الكاتب في شكل رئيس، أن الحائط الشخصي التابع له لا يمثل أي نسبة من مجموع الحوائط العالمية، كما لا يمكن وضعه في خانة متقدّمة حتى أمام حوائط العالم العربي. أيضاً، نسي الكاتب أن «غوغل» هو محرك بحث، بمعنى أنه لا يبث موادّ وأخباراً خاصة أنتجتها الشركة باستثناء ما ندر، وهي لا تمت لنصر الله بأي علاقة نظراً الى طبيعة منشوراتها المختلفة والبعيدة من السياسة. بالعودة الى الأرقام، سنجد أن الـ120 مليون مستخدم عربي لا يمكن أن نشملهم في تعميم الانتصار الإلهي، إذ نستطيع إعادة تقسيمهم مجدداً وفق خانات أبرزها «ممانعة» و «عملاء». هذه الممانعة التي في أفضل أحوالها، افتراضياً، لا تمثل أي نسبة يقتدى بها حتى في العالم العربي، وحتى لو ضُمت إيران إليها، عممت انتصارها الإلهي على حساب الطوائف الافتراضية المتبقية. وألغت، كعادتها، الرأي الآخر وانتصرت على مارك. حتى ولو كان هذا الانتصار من دون علمه. بالعودة إلى الوسم، فإنه بلا شك من حق أي شخص أن يضع أي صورة يراها تمثل بعضاً مما يؤمن به، كما من حق «فايسبوك» أن يلغي حسابات ويح ظّر صوراً كثرت عليها التبليغات. وهنا بيت القصيد. «فايسبوك» لا يعمد الى إلغاء الصور والحسابات بهدف «إذلال المقاومة»، ولا لأي هدف شخصي. بل إن «فايسبوك» يعمد الى مراجعة التبليغات التي ترد على صورة معينة بغض النظر عن مضمونها، وإن كثرت وزادت عن الحدود الطبيعية وتوافقت مع المخارج القانونية لسياسة الخصوصية، فإن الإدارة تلجأ الى زر الإلغاء والحظر. في المنطق نفسه، نستطيع القول إن حظر هذه الصور من الأصل هو انتصار للطرف المواجه لنصر الله، بمعنى أن كثرة التبليغات تلغي كثرة الإعجاب. إذ يمكن القول أن الصور التي تُحظر يُبلغ عنها بنسب كبيرة، الأمر الذي يجعل الانتصار الإلهي أمراً غير قابل للتحقيق. فعن أي انتصار يتحدثون وأي صفعة يوجهون؟.
مشاركة :