محمد عرباسي أب فلسطيني لخمسة أبناء في قرية قيرة بالضفة الغربية المحتلة ولديه دبلوم في العلوم المالية والمصرفية وآمال عريضة لأبنائه الذين يدرس اثنان منهم في الجامعة. ورغم درجته العلمية وطموحه الشخصي يعمل عرباسي منذ 12 عامًا كعامل بناء في مستوطنة أرييل الإسرائيلية القريبة من قريته ويكسب 150 شيقلاً في اليوم (38 دولارًا). وهذا أفضل عمل يمكنه الحصول عليه. وقال عرباسي وهو يزم شفتيه: أنا بشتغل في المستوطنة لأنه فش (لا يوجد) بديل وعندي خمسة أولاد اثنين منهم في الجامعة كيف بدي أصرف عليهم؟ ويعمل نحو 36 ألف فلسطيني في مستوطنات الضفة الغربية بينهم كثيرون في البناء ويكسبون ما يصل إلى ثلاثة أمثال متوسط الأجور الفلسطينية. وتوجد معظم هذه الأعمال في الكتل الاستيطانية الكبيرة القريبة من الحدود مع إسرائيل وهي مناطق تعتزم إسرائيل الاحتفاظ بها في إطار أي اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين. وأقامت إسرائيل هناك واحدة من بين عدة مناطق صناعية تضم نحو ألف شركة في المجمل بينها شركات كثيرة تستفيد من إعفاءات ضريبية وتسهيلات أخرى خاصة بالعمل مثل توفر العمالة الفلسطينية الرخيصة. وفي تقرير أصدرته الشهر الماضي أطلقت منظمة هيومن رايتس ووتش على المناطق اسم شركات الاحتلال، مشيرة إلى أنها تعد انتهاكًا للقانون الدولي لأنها بُنيت على أراضٍ استولت عليها إسرائيل في حرب 1967. وجاء في التقرير تمارس إسرائيل في الضفة الغربية نظامًا ثنائيًا يقدم معاملة تفضيلية للمستوطنين الإسرائيليين اليهود بينما يفرض شروطًا قاسية على الفلسطينيين. وأضافت أنها تستغل الموارد الفلسطينية في كثير من الحالات خاصة محاجر الضفة الغربية. وتنفي الشركات العاملة في الضفة الغربية استغلال العمال الفلسطينيين وتقول إنهم يوفرون العمالة المطلوبة بشدة. وتقول إسرائيل إن مستوطناتها قانونية وإنه يجب تحديد الوضع النهائي للأراضي التي سيطرت عليها قبل نحو نصف قرن في محادثات السلام مع الفلسطينيين. * أموال أكثر ولا امتيازات ويشعر عرباسي وآخرون مثله بأنه لا توجد خيارات كثيرة سوى هذا العمل حتى وإن لم يشعرهم بالراحة. فالاقتصاد الفلسطيني يعاني من معدل بطالة يبلغ 27 بالمئة. وعلى الرغم من أن العمل في المستوطنات قد لا يتضمن دفع أموال نظير وقت العمل الإضافي ولا معاش ولا تأمين فإن الأجور الأعلى تعوض هذا النقص. وقال عرباسي (56 عاما) لو في شغل في البلد بيدفعوا 70 إلى 80 شيقلاً ما هي كيلو اللحمة (سعره) 70 شيقلاً. واشتغل عودة دقروق (26 عامًا) في أعمال عديدة بمستوطنات منذ أن كان يبلغ من العمر 16 عامًا ويكسب ما يصل إلى 250 شيقلاً في اليوم. وبعد أن تزوج وأنجب طفلين أصبح لا يمكنه الكف عن ذلك حتى إن أصابه هذا بالإحباط. وقال دقروق: أنا واحد من الناس اتعرضت لحادث وأنا بشتغل في مستعمرة بركان واتعطلت عن العمل أسبوع ولا في تأمين ولا حدا عوّضني في شيقل... احنا بنشتغل في المستوطنات؛ لأنه ما في مفر بنشتغل في المستوطنات علشان بدنا يعيش أولادنا ونصرف عليهم. وسارع شاهر سعد الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين بالاعتراف بالمعضلة. وقال: من حيث المبدأ نحن نفضل عدم العمل والامتناع عن العمل في المستوطنات لكن للأسف لا توجد بدائل وهذا ما يجعل العمال يعملون في المستوطنات؛ لأنه لا يوجد أماكن عمل عنا (لدينا) في كل الضفة، وأضاف أن نحو نصف الفلسطينيين العاملين في المستوطنات وعددهم 36 ألف عامل لا يحملون تصاريح عمل ملائمة. وتابع: وما يعزز العمل في المستوطنات هو التبادل التجاري ما بين المستوطنات والقطاع الخاص وحتى إن بعض المناطق الصناعية في المستوطنات هناك شراكة مع بعض (رجال الأعمال) الفلسطينيين. وتقول إسرائيل من آن لآخر إن العمل في المستوطنات يفيد الفلسطينيين لأنهم يحصلون على أجور أعلى. لكن سعد يرفض هذا الرأي ويقول إنه يمنح الاحتلال ذريعة ويقوض قدرة الفلسطينيين على تطوير اقتصادهم. وقال: المستوطنات لا تساعد العامل بشكل مطلق على أن يبني وظيفة محترمة براتب محترم وهي وظيفة مؤقتة في مكان عمل مؤقت. عندما ترى العمال وأسماءهم وكيفية عملهم نلاحظ أن هناك عدم انتظام في الأيدي العاملة في المستوطنات مما يعني أن معظم العمال أيدي عاملة غير منظمة داخل المستوطنات وهناك استغلال لهم. رويترز
مشاركة :