أرغمت الهجمات الأخيرة بالمسيرات والقصف سكان مناطق روسية متاخمة للحدود الأوكرانية على الإجلاء مما أثار ذعرا. ورغم تقليل الكرملين من شأن هذه الهجمات، إلا أن خبراء يرون أنها تكشف عن ضعف الجيش الروسي حتى في الدفاع عن أراضيه. تخلى الجنود الروس عن آلياتهم العسكرية مع انسحابهم من خيرسون أواخر العام الماضي بنبرة يعلوها الخوف الشديد، تستذكر غالينا، إحدى سكان مدينة شيبكينو الروسية قرب الحدود الأوكرانية، اليوم الذي اضطرت فيه إلى ترك منزلها، قائلة في مقابلة مع DW "غادرنا في الصباح الباكر مدينتنا بعد القصف والانفجارات الذي تعرضت له، تركنا كل شيء، إننا نشعر بالرعب". وكانت غالينا من بين السكان النازحين عن مدينة شيبكينو في منطقة بيلغورود الحدودية بعد أن تعرضت لسلسلة من الهجمات مطلع مايو / آيار الجاري استمرت ليومين فيما قال حاكم المنطقة فياتشيسلاف جلادكوف إن 2500 شخص نٌقلوا إلى ملاجئ مؤقتة. وأضاف أن السلطات المحلية قامت بترتيب عمليات إجلاء السكان رغم أن البعض قالوا إنهم واجهوا صعوبة أثناء النزوح من المدينة. وفي ذلك، قالت إحدى سكان شيبكينو وتدعى سفيتلانا "لقد جرى تنظيم عملية الإجلاء بشكل سيء للغاية، كان الأمر بمثابة إرشادات شفوية، لم أتمكن من الوصول إلى أرقام الخط الساخن للتواصل مع السلطات، في مرة كان الرد: "الرجاء الانتظار. الرقم غير متاح حاليا." لذا في نهاية المطاف اُضطرت إلى البحث عن شخص يساعدني على الخروج من المدينة". يشار إلى أن مدينة شيبكينو ذات تعداد سكاني يبلغ 40 ألف نسمة وتقع على بعد حوالي خمسة كيلومترات من حدود روسيا مع أوكرانيا. وقال السكان إن المدينة تعرضت للقصف المتقطع خلال الأشهر القليلة الماضية، بيد أن هجوم الخميس الماضي كان الأشرس ما أدى إلى توقف الحياة في المدينة حيث أظهرت لقطات مصورة نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي الدخان يسود المدينة وسط مبانٍ مدمرة وحطام الصواريخ تملأ الطرق. وبحسب السلطات المحلية، أسفرت الهجمات عن مقتل امرأتين وإصابة ما لا يقل عن 12 شخصا خلال اليومين الماضيين. نشرت وسائل إعلام روسية صورا لإجلاء حوالي 300 طفل من مدينتي شيبيكينو وغريفورون مطلع مايو / أيار الجاري تزايد التوغل داخل الأراضي الروسية وفي سياق متصل، أعلن مسلحون مؤيدون لأوكرانيا ينتمون إلى ما يُسمى "فيلق حرية روسيا" و "فيلق المتطوعين الروس" مسؤوليتهم عن التوغل داخل شيبيكينو الخميس الماضي، إذ قالوا: "سنحرر كافة الأراضي الروسية من بيلغورود إلى فلاديفوستوك". من جانبها، نفت الحكومة الأوكرانية أي ارتباط بالمسلحين الذين توغلوا داخل شيبيكينو رغم أن مسؤولا عسكريا أوكرانيا اعترف "بالتعاون" مع (الفيلقين). وقد قام الفيلقان المؤلفان من روس يقاتلون إلى جانب أوكرانيا، في مطلع مايو / آيار الجاري بعمليات توغل عبر خط المواجهة في منطقة بيلغورود فيما اعتبر مراقبون مثل هذه الهجمات بأنها تمثل إحراجا للكرملين. وأثارت عمليات التوغل مخاوف من أن مناطق خط المواجهة داخل الأراضي الروسية قد تكون عرضة للهجوم. "لا أعرف من سيوفر لنا الحماية" وعلى وقع هذه الهجمات، ينتاب سكان المناطق الحدودية القلق فيما وجه بعضهم انتقادات للحكومة الروسية. ففي مقطع مصور نُشر على تطبيق "تليغرام"، قال طالب روسي "لا أعرف من سيوفر لنا الحماية ومن سيساعدنا؟ لماذا نضطر نحن إلى ترتيب عمليات الإجلاء ؟ يتعين على الحكومة الروسية أبعاد خط المواجهة عن منطقة بيلغورود وشيبكينو لإنقاذ حياتنا". وفي ظل تزايد الهجمات التي يشنها المسلحون داخل الأراضي الروسية خلال الأسابيع الأخيرة، طلب بعض سكان بيلغورود من السلطات المحلية إعلان حالة الطوارئ مما يسمح لهم بالحصول على تعويضات من الحكومة. وفي مقابلة مع DW، قال بعض سكان المنطقة إن السلطات المحلية تخلت عنهم فيما طرحت سفيتلانا سؤالا إلى الحكومة الروسية مفاده: "هل انتم بحاجة إلينا؟". وأضافت "الحكومة تعتبر سكان المناطق الحدودية عديمي القيمة". وفي حديثهم إلى DW، انتقد بعض سكان المنطقة الحرب الدائرة في أوكرانيا، لكنهم شددوا أنه لا يمكنهم الإفصاح عن آرائهم علنا بسبب أنهم ينتمون إلى أقلية تعيش في شيبيكينو. وفي ذلك، قالت لينا، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها بالكامل، "يتعين سحب قواتنا من الأراضي الأوكرانية ونعيد شبه جزيرة القرم والأراضي المحتلة إلى الجانب الأوكراني فيما يتعين على السلطات بدلا من ذلك الاعتناء بشعبها". قالت وسائل إعلام روسية إنه جرى نقل كبار السن والأطفال من منطقة بيلغورود إلى ملاجئ مؤقتة الكرملين يقلل من شأن الهجمات أما على الجانب الروسي الرسمي، فلم يعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه إزاء تداعيات هذه الهجمات التي تتعرض لها المناطق الحدودية إذ التقى بعد يوم من هجمات الخميس الدامية بعدد من تلاميذ المدارس حيث سأله أحدهم إذا كانت قوته تفوق قوة سانتا كلوز. وردا على سؤال حول هجمات الطائرات المسيرة التي تعرضت له شيبيكينو، قلل المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من شأنها، مضيفا "لن يكون لها أي تأثير على مسار العملية العسكرية الخاصة" وهو الوصف التي تطلقه روسيا على توغلها العسكري في أوكرانيا. وفي تعليقها على ذلك، كتبت الزميلة البارزة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تاتيانا ستانوفايا إن استراتيجية بوتين تكمن في "التزام الهدوء طالما كان ذلك ممكنا وأيضا تحويل الإخفاقات إلى نجاحات وعدم التحدث باستفاضة عن الهجمات التي تتعرض لها روسيا، لأنه في هذه الحالة لن يكون ملزما بالرد أو الاعتذار. ظل بوتين في تعاملاته مع المؤسسات المحلية ومع النخبة الروسية منذ فترة طويلة يسترشد بشعار مفاده "لا تهوّل الأمر"". بدوره، يعتقد المحلل السياسي الروسي وكاتب خطابات بوتين السابق، عباس غالياموف، إن الهجمات الأخيرة داخل الأراضي الروسية سوف تلقي بظلالها على التصور العام في البلاد للقيادة الروسية وأيضا للحرب في أوكرانيا". وكتب في منشور على تطبيق تليغرام أن الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها بيلغورود "تدمرالأسطورة القائلة بأن جيش بوتين لا يقهر. هذا الجيش لم يخفق فقط في التقدم في الحرب وإنما في الدفاع عن الأراضي الروسية. هذا الضعف كفيل بأن يدمر الدعم الشعبي في ظل وجود حكومة استبدادية أكثر من أي شيء آخر". ماريا كتامادزي / م.ع
مشاركة :