تشكل الرسائل الجامعية في الدراسات العليا أهمية بالغة في استكشاف مواطن الجمال في الإبداع الأدبي من شعر وقصة ورواية ومسرح، وتشمل هذه الثروة الأدبية الأعمال القديمة والحديثة. ومنها كتاب «البداوة في الشعر العربي القديم» تأليف الأديب التونسي د. محمد المزطوري، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها السادسة عشرة (المؤلف الشاب). وهو بحث أعد لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها. والكتاب مؤلف من قسمين: إطار نظري لدراسة البداوة ومقاربتها، ثم الجانب الإجرائي للشعر البدوي القديم. يشير الكاتب في المقدمة إلى أن أهمية الموضوع جعلته يختبر في بحثه أحقيّة البداوة بأن تكون أهم المعاني الشعرية التي أثَّرت في الشعر العربي، حضوراً وغياباً، تأثيرا مباشراً وغير مباشر، ساعياً إلى دراسة مظاهر ذلك التأثير، إلى جانب دور البداوة في صناعة القصيدة العربية القديمة. وفي مطلع البحث، وتحديداً في مدخله النظري، يقوم بعرض الآراء والتعريفات والمواقف النقدية من موضوع البداوة واستقرائها من خلال مجموعة من المؤلفات والمعاجم والدراسات، التي تناولت الموضوع من زوايا مختلفة: تاريخية وأنثروبولوجية وفكرية ومعجمية وأدبية فنية وغيرها. وبعد أن يعرض معاني البداوة في أهم المعاجم العربية، والمصنفات الغربية، يبحثها من منظور علم الاجتماع، ثم يسعى إلى ضبط المفاهيم والمصطلحات المركزية ذات العلاقة بمفهوم البداوة، لينقل القارئ إلى «مفهوم الصورة الشعرية» قائلاً: إن اعتماد مفهوم الصورة أمر ضروري في المباحث العلمية المتعلقة بدراسة الظواهر الأدبية والمعاني الشعرية، خاصة إذا ما تعلق البحث بالشعرية. معنى البداوة يتابع الباحث معنى البداوة في الدراسات النقدية، بدءاً من ابن قتيبة حتى ابن طباطبا، مرورا بابن خلدون وابن رشيق وحازم القرطاجنّي. ثم يستعرض آراء المحدثين: شوقي ضيف، جواد علي، وهب رومية، ناصر الدين الأسدي، توفيق فهد، سعدي ضناوي، علي شلق، أحمد الشواورة. وينتقل بعد ذلك إلى دراسات المستشرقين. ويرصد الباحث فضاءات البداوة واتجاهاتها، مبيناً خصائص الشعر الجاهلي، سواء في وصف المسكن المتكيف مع البيئة وظروفها، إلى جانب وصف المكان ولا سيما في المقدمات الطللية، ويرى أن الحيوان يشكل معادلاً موضوعياً لابن تلك البيئة المحكومة بالترحال والصراع مع الطبيعة الشحيحة. وتشكل المعلقات وشعر الصعاليك مصدراً غنياً وأمثلة معبرة بصدق عن الخصائص النفسية، ويتناول في هذه الخصائص المعتقد بدءاً من الأسطورة، ثم الزمان، وطقوس العبور من حالة إلى أخرى كالزواج والموت، وصولاً إلى أحوال أخرى ومنها الأنواء والفلك والنجوم. وتبين لنا الشواهد الشعرية ثقافة الشاعر وتكوينه ومدى إلمامه بالعلوم والمعارف التي تؤهله ليكون مجيداً في شعره، وهنا تبرز أهمية الموروث الثقافي والاجتماعي، وبخاصة في المخزون الشعري وأهمية توارثه وروايته، وصولاً إلى تحول البداوة إلى موضوع أدبي، إضافة إلى أثرها في النقد الأدبي. أما القسم الثاني من الكتاب، فيتضمن البحث في البداوة وأغراض الشعر، والصورة الشعرية ودلالاتها، وبنية القصيدة.
مشاركة :