النفط الصخري هل يعود «ضيفاً ثقيلاً» ؟

  • 2/24/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ساهمت عوامل كثيرة في الأشهر الأخيرة في تهالك أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل أحياناً. وتراهن بيوت مالية على ان سعر البرميل سيصل إلى ما دون 20 دولاراً في الفترة القريبة المقبلة على رغم ان العوامل التقنية المتعلقة بالنفط مباشرة تحسنت في الفترة القريبة الماضية، لكن إصرار المضاربين على الرهان على انخفاض الأسعار من دون أسباب عملية لا يزال يضعف هذه الأسعار. الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار النفط أصبحت معروفة ومعلومة، وأهمها الفائض النفطي القائم في الأسواق والذي يتجاوز أحياناً ثلاثة ملايين برميل يومياً. ويعود سبب الفائض إلى استمرار الدول المنتجة للنفط في الوتيرة نفسها من الإنتاج، وذلك بغض النظر عن الأسعار فالمهم إيجاد منافذ للاستهلاك. ويؤمل بأن يساهم الاتفاق الأخير بين منتجين في «أوبك» وخارجها على تجميد الإنتاج عند مستويات كانون الثاني (يناير) الماضي، في تعزيز الأسعار. ومن أسباب انهيار الأسعار تضاعف إنتاج الولايات المتحدة التي أغلقت باب استيراد النفط الخفيف من دول غرب أفريقيا ما أفقد دول «أوبك» ككل حصة في الأسواق الأميركية الخاصة بهذا النوع من النفط. ويحصل هذا من دون زيادة تُذكَر في الطلب العالمي خارج الولايات المتحدة، خصوصاً من الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل التي تعاني أداء اقتصادياً ضئيلاً. وما اضعف الأسواق النفطية التهديد الإيراني بغزو الأسواق بكميات تفوق مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام، على رغم تصريحات مطمئنة من إيران تؤكد ان هذه الدولة لن تربك الأسواق. كل العوامل الاقتصادية تصب في اتجاه انخفاض أسعار النفط لكن إلى متى؟ يتراوح معدل كلفة إنتاج البرميل لـ 22 دولة نفطية بارزة بين تسعة دولارات للبرميل في الكويت و53 دولاراً في بريطانيا. وهذه التكاليف تشمل التكاليف التشغيلية من ضخ للنفط ومرتبات للموظفين ونقل للنفط إلى مرافئ التصدير، لكنها لا تشمل التكاليف الرأسمالية من تنقيب وحفر وبناء للبنية التحتية من أنابيب ومعدات. وهذا يعني ان غالبية الدول لا تحقق أرباحاً لتغطية التكاليف التشغيلية وهي لن تستطيع مواصلة تغطية للتكاليف الرأسمالية، ما يجعل من الصعب استمرار بقاء سعر البرميل متدنياً هكذا فترة طويلة. يُرجَّح ان أسعار النفط سترتفع ولن تصل إلى ما دون 20 دولاراً، فإنتاج النفط الأميركي يتراجع في ضوء ارتفاع كلفته، فيما إنتاج النفط الروسي ينخفض عادة خلال الشتاء. إلا ان أسعار النفط لم تتحرك بالسرعة المطلوبة على رغم إفلاس أكثر من 40 شركة نفطية في أميركا وفقدان كل الدول النفطية عائدات مالية هائلة تبلغ فيها حصة دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 300 بليون دولار. وإن استقرت أسعار النفط ما دون 30 دولاراً وهذا محتمل بحلول نهاية الربع الأول من العام، لا تزال المؤشرات النفطية ترشح ارتفاع أسعار النفط لكن بأقل سرعة من المعتاد. قد تصل الأسعار قريباً إلى 40 دولاراً أو أكثر. ويحظى هذا الرأي بدعم من تسعير الدول النفطية البرميل بين 40 و50 دولاراً في موازنتها لهذا العام ومنها السعودية وروسيا. في المقابل، سيعاود منتجو النفط الصخري أعمالهم عند تجاوز سعر البرميل 50 دولاراً، ربما بعد سنوات من الآن. أما الآن فهم مشغولون بكيفية إعادة النظر في خفض تكاليف الإنتاج مرة أخرى ومحاولة تحديث التقنيات الحالية والمستقبلية من اجل البقاء. وعلى رغم أنهم استطاعوا خفض أكثر من 40 في المئة والتخلص من أكثر من 85 ألف وظيفة، ما زال المشوار أمامهم طويلاً وما زال على المنتجين التقليديين الحذر. وبعدما وصل سعر البرميل إلى أكثر من 115 دولاراً في 2014، يسجل الآن نحو 30 دولاراً. وقفز إنتاج النفط الأميركي من 5.1 مليون برميل يومياً في 2009 إلى أكثر 9.7 مليون عام 2015. والآن انخفض إنتاج النفط الصخري الأميركي ولم يعد ينافس النفط التقليدي. لكن هل اختفى الضيف الثقيل، أم المسألة مسألة وقت؟ هي حتماً مسألة وقت فمع وصول سعر البرميل إلى 50 دولاراً، سيعاود النفط الصخري الحلول ضيفاً ثقيلاً على نظيره التقليدي. يعيّر منتجو النفط التقليدي منتجي النفط غير التقليدي من صخري وغيره في أميركا وكندا والبرازيل بأن تكاليفهم أعلى أكثر من 10 مرات، لكن تحقيق التوازن في موازنات المنتجين التقليديين يتطلب ان يكون سعر البرميل عند 70 دولاراً على الأقل. لذلك فالجميع في قارب واحد. يتخلص منتجو النفط غير التقليدي من العمال بنسب فاقت 15 في المئة من اجل البقاء. ويضطرون إلى الاعتماد على أنفسهم في غياب الجهات المالية المستعدة لإقراضهم. أما منتجو النفط التقليدي فتوصيهم مؤسسات مالية واستشارية دولية بخفض الدعم وفرض ضرائب ورسوم خدمات، وهي أمور صعبة التحقيق. لا شك في ان قرارات دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة عجز الموازنات، مثل زيادة أسعار الوقود والكهرباء والماء، قرارات وطنية بامتياز بغض النظر عن حالات العجز، فهي تقلل الهدر والعبء المالي على الدولة وتحمل المواطن مسؤولية المساهمة في تحقيق هذا الهدف. وإن استطاع المنتجون التقليديون تحقيق التوازن في موازناتهم في شكل دائم، يكونون قد تخلصوا من عقدة النفط الصخري. وإن لم يفعلوا، سيعاود هذا الضيف الثقيل الحلول بين ظهرانيهم. وفي مطلق الأحوال، بدأ المشوار الطويل جداً وستكون نقطة الوصول إصلاحاً اقتصادياً مستداماً.   * كاتب متخصص بشؤون الطاقة

مشاركة :