باريس - تقود السعودية ودولة الإمارات جهودا لإقناع حلفاء أوروبيين باستئناف العلاقات مع سوريا، بينما يرى مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الظروف داخل الاتحاد غير مواتية للانخراط في هذا المسار، مشيرا إلى أن دول التكتل لا تؤيد تطبيع العلاقات مع النظام السوري. وكانت الإمارات أول دولة عربية تستأنف العلاقات مع دمشق في العام 2018 بعد سنوات من القطيعة استنادا إلى قناعة بضرورة أن لا تترك الساحة السورية فريسة للتدخلات الخارجية وجاء قرارها في تلك الفترة بعد تقييم وبناء على منطق الواقعية السياسية في التعاطي مع الأزمة. وعكست تلك الخطوة نظرة استشرافية للتغيرات الجيوسياسية فقد انضمت إليها مؤخرا الدول العربية التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا واستأنفت عمل بعثاتها الدبلوماسية بعد القمة العربية التي استضافتها السعودية وهيأت لها الظروف المناسبة لفك عزلة دمشق وعودتها للحضن العربي باستثناء قطر التي أبدت تحفظا على التطبيع مع الرئيس السوري، إلا أنها قالت إنها لن تعطل الإجماع العربي في هذا الشأن. لكن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عبرت عن انزعاجها من الخطوة العربية، لكنها فضلت عدم التصعيد أو الضغط على حلفائها من الدول العربية والخليجية، بينما يبدو أن ثمة تحولات كبيرة في الموقف العربي بقيادة كل ن الرياض وأبوظبي تجاه دفع الحلفاء الغربيين لفك عزلة سوريا. وقال بوريل "هناك محاولات للعمل على علاقات طبيعية بين الدول العربية والنظام في سوريا ويتابع الاتحاد جهود تركيا في ما يتعلق بالعلاقات مع الحكومة السورية"، مضيفا "تلك ليست الطريق التي كانت لتسلكها الدول الأوروبية في علاقاتها مع سوريا". وذكرت 'بلومبرغ' نقلا عن مصادر قالت إنها مطلعة، أن السعودية والإمارات تمارسان ضغوطا على حلفائهما الأوروبيين لدفعهم إلى مسار تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية. وإذا نجحتا في هذا الأمر، تكون أبوظبي والرياض قد حققتا اختراقا مهما، بينما تعتمد كل منهما على دبلوماسية هادئة وواقعية تركز أساسا على تصفير المشاكل والتركيز على التنمية والدفع بقوة لتهدئة التوترات في المنطقة. وترسم كل من الدبلوماسية السعودية والإماراتية مسارا جديدا للمنطقة ودفع الحلفاء الغربيين للتعاطي مع قضايا المنطقة بطرقة مختلفة تبتعد عن فرض الحلول والتدخل في شؤون الدول العربية. ولم توضح المصادر ما إذا كانت السعودية تتحركان على مسار واحد أم أن كل منهما تعمل من جانبها على تفكيك عُقد الملف السوري بما فيه كسر طوق العزلة وتخفيف العقوبات على النظام السوري. وكانت الولايات المتحدة قد قالت مؤخرا إنها تختلف مع السعودية في ما يتعلق بإعادة سوريا إلى الحضن العربي. وحذرت قبلها دولا عربية من خرق العقوبات المفروضة على دمشق. وفي المقابل بدت الخطوات العربية تجاه سوريا ردا واضحا على الاعتراضات والضغوط الأميركية، بينما شددت جامعة الدول العربية على أن الملف السوري يجب أن يعالج دون تدخل خارجي. ونقلت 'بلومبرغ' عن مصادرها قولهم إن المسؤولين السعوديين والإماراتيين مارسوا على مستويات مختلفة لعدة أشهر ضغوطا على حلفائهم الغربيين لفك عزلة سوريا، مشيرين إلى أن "التحركات الدبلوماسية لإنهاء الحرب في سوريا لا طائل من ورائها ما لم يتم تخفيف العقوبات للمساعدة في إنعاش الاقتصاد السوري". وأضاف المسؤولون أيضا أن "التعافي الاقتصادي قد يجذب ملايين اللاجئين السوريين إلى وطنهم، ما يخفف الضغط على الدول المجاورة مثل لبنان والأردن". وتأتي هذه التطورات بينما يستعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لزيارة فرنسا وهي واحدة من الدول التي ترفض إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق. ومن المتوقع أن الملف السوري وأزمة الشغور الرئاسي في لبنان على أجندة المباحثات التي سيجريها الأمير محمد مع الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون. ويفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات قاسية على سوريا التي تئن تحت وطأة أزمة مالية بسبب عقد من حرب استنزفت موارد الدولة السورية وأرهقت اقتصادها المتعثر أصلا. ولولا الدعم الإيراني والروسي خلال السنوات الماضية لانهار الوضع المالي في سوريا. والشهر الماضي فرض الاتحاد عقوبات اقتصادية جديدة على دمشق شملت 25 شخصا و8 كيانات وهي العقوبات التي وصفتها الخارجية السورية حينها بأنها "تشكل تهديدا جديا لحياة السوريين وتنعكس سلبا على اقتصاد البلاد". واستعادت سوريا مقعدها في الجامعة العربية في مايو/ايار الماضي وشارك الرئيس السوري في 19 من الشهر ذاته في القمة العربية، في تتويج لجهود الإمارات والسعودية لتفكيك عزلة النظام السوري.
مشاركة :