ماجد الجارد: تغييب المكان لا يشوه فضاء السرد

  • 2/25/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

"ماجد الجارد" أحد الأسماء المميزة في عالم الرواية السعودية، خاصة بعد فوز روايته السابقة "نزل الظلام" بجائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية، أصدر روايته الأخيرة "سولو".. التقت به "ثقافة اليوم" للحديث عنها، فكان الحوار التالي: نوتة سردية * ما علاقة العنوان "سولو" في الرواية؟ - أبجديات قراءة النص أنّ العنوان عتبة من عتباته، وهذه قد تملك دلالة واضحة أو تكون غير مباشرة، "سولو" مفردة بالإيطالية (Solo) تعني الوحيد، و"السولو" تعبير موسيقي يقصد به مقطوعة موسيقية يعزفها منفرد، من هنا يمكننا الربط بينها، سواء الوحيد أو العزف أو العازف؛ كلها في دائرة الوحدة.. "سولو" نغمة مسيرة الإنسان على الأرض، فكل قراراتنا مهما كانت نقترفها فرادا؛ لذا أتت الرواية نوتة سردية. تغييب المكان * لماذا المكان غائب في الرواية؟ - أولاً هل المقصود حين نقول بالمكان أن يكون عيناً كقولنا "جدة" أم المكان في الرواية شيء غير المتعارف عليه جغرافياً، إنّ المكان في الرواية أعم من فكرة المكان العلم، فالمكان وتأثيثه داخل النص لا يقتصر على اسم مدينة، بل قد يبتنى الروائي مدينة كاملة بطرقاتها، وأبنيتها، وناسها، وإشكالياتها، دون أن يضطر إلى الاتكاء على واقع نلمسه ونمشي بين مفارق دروبه. بظني أنّ "سولو" حاولت تشييد مدينتها الخاصة بها فمدينة "سولو" ساحلية فيها مستشفيات، ومرتادون، وبائع ورد، وقارئة فنجان، ومطاعم على شرفات واسعة، وطرقات رصدت في معظم أوقات النهار والليل منذ طلوع الشمس أو قبل الفجر حتى الغروب، ومن زاوية أخرى يمكننا تأويل غياب تحديد المنطقة الجغرافية لتعميم المشترك الإنساني، فالموضوع الذي تتعرض لها رواية "سولو" يشترك به كل زوجين من البشر وهم يخطون حياتهم باعتبارهم ذكرا وأنثى سينتج عن لقائهما ذرية، وهذه الذرية شكل من أشكال الخلود الذي يحاول السعي إليه الإنسان. ثم إنّ تغييب المكان لا يمس فضاء السرد بالتشويه أو بخلق فراغات مكانية ناتجة عن تعيين المدينة بذاتها، فقد يقرأها العربي من المحيط للخليج، ويظن أنّ في قطره بلدة مشابهة أو أناسا يتشابهون، ومن هنا نستطيع القول انّ العنوان الموسيقي "سولو" والمكان المغيب كانا متسقين في دلالة مشتركة إنسانية محضة، لا تعرف الفوارق القائمة على الهوية أو ما شابه. حرية وذاكرة * هناك لغة شاعرية عالية في الرواية وحديث داخلي طويل، ألا يضيق هذا النوع من اللغة السرد وتصاعد الأحداث؟ - أما عن اللغة الشعرية فلا أنكر هذا لكن هل الفن الروائي لزاما أن يكتب بلغة مباشرة؟ وهل لو كانت اللغة تتكئ على المجاز والاستعارة تعيق العمل؟ فقد شاع في الخليج الروايات التي قد تتكئ على المدرسة الواقعية في السرد - إن صح التوصيف -، ولشيوع هذا المذهب الروائي عند القارئ شكل لدى القارئ معيارا يقيس به الرواية، فالرواية إن كانت تمتلك لغة شاعرية نبذها، وإن كانت تتكئ على خيال علمي لم يقتنع بها، وإن كانت تعتمد على الحفر الفلسفي كرواية "عالم صوفي" قال إنّها معقدة وغارقة في الأفكار، وإن ذهبت الرواية إلى المنحى التاريخي أقام محكمة عليها ليحاكمها كوثيقة تاريخية؛ نظراً لضعف الإنتاج من الروائيين في فنون السرد، ونظراً لتعود القارئ على قوالب شائعة نتج هذا السؤال. يضاف إلى هذا أسلوب الرواية فكما هو معروف أنّ الأسلوب له علاقة مباشرة مع مستويات اللغة، والتفاعل بينهما سينتج مزجا متوائما فالاسترجاع الفني والتداعي الحر أسلوبان يعتمدان على التذكر و"المونولوج" الداخلي، وبما أنّ هذا المستوى هو مستوى داخلي في العمق الإنساني فإنّا نستطيع التعكز على كاهل المعنى، وفي المحصلة هو حرية الكاتب الفنية وذائقة القارئ الاختيارية. بين عملين * حين نقارن "سولو" بروايتك السابقة "نزل الظلام" نجد أنها ذات مستوى فني أقل، وهل هذا مصداق لما يقال ان الكاتب يكتب رواية واحدة جيدة فقط بالاعتماد على تجربته الخاصة ثم يتوقف؟ ما رأيك؟ - أولا هذا السؤال متحيز، حيث يصدر حكم على نص والحكم قطعي بأن العمل الثاني أقل من الأول، وبظني هذه نظرة جداً ضيقة تشوه الفن، وأنّه من الأسئلة التي جرت العادة على طرحها من الصحفيين دون التدقيق، ثانياً أما عن العمل الثاني وجدلية العمل الأول فبظني أنّ "سولو" عمل منفصل تماماً عن "نزل الظلام" الحائزة على جائزة الأمير سعود بن عبد المحسن من نادي حائل، نعم، مختلفة على مستوى الموضوع، فالرواية الأولى تعنى بالعمى، والثانية بالعقم، وعلى مستوى الأسلوب الرواية الأولى كوميديا سوداء، والثانية تيار الوعي، وعلى مستويات اللغة الرواية الأولى مباشرة، والثانية مطرزة بالاستعارة، كذلك مستوى الحجم - إن صح التعبير -. أما عن كون الكاتب يكتب رواية واحدة جيدة فقط بالاعتماد على تجربته الخاصة ثم يتوقف، وكأنك تشير إلى أنّ أجمل الأعمال هي بواكير الكاتب.. فهناك نوعان من الكتاب: أحدهم يكتب عملا واحدا ثم يتوقف، كرواية "مرتفعات وذرنغ" ل "إيميلي برونتي" ورواية "بيدرو بارامو" ل"خوان رولفو".. هذا الحزب ينتمي إلى أنّ الفن صرخة واحدة، تختزل فيها كل قوة الكاتب وجمالياته، أو يرى بعدم الجدوى من الكتابة فيتوقف وفي داخله أنّه استنفد تمام الاستنفاد، أما الحزب الآخر يرى أنّ الفعل الكتابي هو نشاط معرفي متصاعد في جودته ومتنام في الوعي والإدراك، ومتجدد في الزواية التي يطرحها مع كل نص سردي جديد أو عمل فني - باختلاف أشكال الفن -، وخير مثال في عالمنا العربي غزارة إنتاج "نجيب محفوظ" رغم أنّ الحارة المصرية الفضاء الذي لم يبرحه، ولعلي استطيع أن أنتمي إلى الحزب الثاني، ولربما كانت "سولو" عملا أريد أثناء كتابته الابتعاد تماماً عن روح العمل الأول "نزل الظلام". أما بالنسبة للمستوى الفني فأترك هذا إلى القارئ والناقد، حيث كل من الروايتين كانت موضع نقاش في بعض الرسائل الجامعية، وبعض الحلقات النقدية، ولكل رواية أنصارها ومتعصبوها؛ لذا سعيد أنا حيث إنني حين عبرت أكثر من سنة على نشر "سولو" وخمس سنوات على "نزل الظلام" اكتشفت شيئاً جديداً لم أكن اعرفه من قبل.

مشاركة :