تبادلت حركة طالبان وقوات إيرانية إطلاق نار عنيفا يوم السبت على الحدود الإيرانية مع أفغانستان، ما أسفر عن مقتل وإصابة قوات من الطرفين مع تصاعد التوترات المتزايدة بشكل حاد بين البلدين وسط نزاع حول حقوق المياه، هذا ما جاء في الأسوشييتد برس في 27 الشهر الماضي. على مدى الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت التوترات بين أفغانستان وإيران، وبلغت ذروتها في الاشتباكات الحدودية الأخيرة التي تركت كلا البلدين في حالة تأهب قصوى. يكمن جوهر هذا الصراع في نزاع حول الموارد المائية المشتركة، حيث نهر هلمند هو نقطة الخلاف الرئيسية. يمتد هذا النهر، الضروري في هذه المنطقة القاحلة، على الفجوة الجيوسياسية ما يؤثر بشكل مباشر على سبل العيش والمصالح الاستراتيجية لكلا البلدين. يكمن قلب الخلاف بين الدولتين على نهر هلمند، وهو ممر مائي يمتد لأكثر من 1000 كيلومتر ينبع في أفغانستان ويمتد إلى المقاطعات الشرقية المنكوبة بالجفاف في إيران. وتاريخياً، كان هذا النهر مصدراً حيوياً للمياه لكلا البلدين، إذ إنه يدعم الزراعة وتوليد الكهرباء والرزق في المناطق القاحلة. ومع ذلك، فإن ندرة المياه، إضافة إلى تغير المناخ والجفاف المتكرر، هي ما فاقمت الخلاف حول الحقوق في موارد النهر. تأثرت إيران بشكل خاص، حيث عانت من الجفاف الشديد لأكثر من ثلاثة عقود ما ترك ما يقدر بنحو 97 في المائة من البلاد تعاني من الجفاف المائي، وفقاً لمنظمة الأرصاد الجوية الإيرانية. وفي الوقت نفسه، تتصارع أفغانستان مع عامها الثالث من الجفاف الذي لا هوادة فيه، ما يؤدي إلى تفاقم الضغط على مواردها المائية الضئيلة بالفعل. ومما يزيد من تعقيد المسألة معاهدة ثنائية موقعة في عام 1973، والتي حددت حقوق كلا البلدين في نهر هلمند. ومع ذلك، أثارت رغبة كابل في سد النهر لتوليد الكهرباء والري الزراعي غضب إيران، ما أثار سلسلة جديدة من النزاعات حول تفسير المعاهدة وتطبيقها. انحدر هذا الخلاف الملتهب مؤخراً إلى العنف، واتهمت وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية طالبان ببدء الهجوم، وهو ادعاء دحضته السلطات الأفغانية. محور هذه الروايات هو سرد الأحداث المتنازع عليها، حيث تشير تقارير إيران إلى أضرار وإصابات كبيرة، على النقيض من لغة أفغانستان الأكثر كتماً للصوت وهدوءاً بشأن شدة الصراع. لا تزال التوترات مرتفعة مع الإغلاق المؤقت لمعبر ميلاك الحدودي، وهو طريق تجاري حاسم بين البلدين. علاوة على ذلك، تخاطر هذه النزاعات بتفاقم محنة اللاجئين الأفغان في إيران. حيث يوجد ما يقرب من 3.5 مليون لاجئ أفغاني يقيمون هناك، من المرجح أن تعرّض التوترات المتزايدة وضعهم غير المستقر بالفعل للخطر. يمثل التقاء تغير المناخ والمصالح الجيوسياسية والمظالم التاريخية لوحة معقدة قد تؤثر على العلاقة الثنائية بين كابل وطهران. إن تداعيات الصدام الحدودي لها آثار تمتد إلى ما هو أبعد من نهر هلمند. مع وجود كلا البلدين على ما يبدو في مسار تصادمي، فمن المرجح أن يتم جذب القوى الإقليمية. لقد حافظت الصين، وهي لاعب بارز في المنطقة، على علاقاتها مع حكومة طالبان وبالتالي فإنها صاحب مصلحة رئيسية في المسار السياسي والتنمية الاقتصادية للبلاد. وتتطلع بكين إلى أفغانستان آمنة للوصول إلى الثروة المعدنية المندثرة والمنتشرة في البلاد، بالإضافة إلى إنشاء مشاريع برية تربط البلدان الثلاثة (الصين - إيران - أفغانستان). لذلك، من المرجح أن تؤدي أي مواجهة عسكرية بين أفغانستان وإيران إلى زعزعة خطط بكين ووضعها باعتبارها الوسيط الأكثر نفوذاً. ونظراً إلى عدم وجود بدائل استثمار أجنبي مناسبة لإيران وأفغانستان، فإن احتمال حدوث المزيد من الاستثمارات الصينية، لا سيما في قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية، يمكن أن يكون بمثابة قوة دافعة للحل. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى السبب الجذري للنزاع ووجود اللاجئين، من المتوقع أن تلعب وساطة الأمم المتحدة دوراً حيوياً في الضغط من أجل اتخاذ إجراءات سياسية. وحسب التقارير، ستشمل التدابير القصيرة الأجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتعزيز القنوات الدبلوماسية القائمة لنزع فتيل التوتر. وعلى الصعيد طويل الأجل، سيجري العمل على تطوير آليات مستدامة لتقاسم المياه تأخذ في الاعتبار تغير المناخ وغيره من الضغوط القائمة على إمدادات المياه التي لم تؤخذ في الاعتبار في آخر معاهدة لحقوق المياه الموقعة في عام 1973 بين طهران وكابل. بالنظر إلى تأثير تغير المناخ وندرة الموارد والمصالح الجيوسياسية، من المرجح أن يستمر نزاع نهر هلمند حتى التوصل إلى حل مقبول للطرفين يخلف المعاهدة الثنائية عام 1973 والتصديق عليه من قبل الجانبين. وتضيف التقارير أنه مع نفوذها الدبلوماسي المتزايد وسجلها الحافل مؤخراً في المنطقة، من المرجح أن تقوم الصين بدور الوسيط وتستفيد من المشاريع الحالية والمستقبلية للتوسط في المحادثات الثنائية والضغط من أجل التوصل إلى حل. على كل يقدم الصراع المستمر بين أفغانستان وإيران بشأن حقوق المياه توضيحاً حاداً للصراعات العالمية المكثفة من أجل الموارد التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والنمو السكاني. ومن المحتمل أن تشكل الطريقة التي تتفاعل بها هذه الدول في هذا النزاع، تحت مراقبة القوى الإقليمية والهيئات الدولية، سابقة للنزاعات المائية في أماكن أخرى لا بد أنها آتية وقريباً جداً.
مشاركة :