اختَتمت وزارة الثقافة سلسلةً من الندوات التي سلّطت الضوء على الأبعاد الفنية للخطّ العربي وجمالياته المختلفة، واستكشفت فنَّ الخطّ العربي من جوانبَ وزوايا متعدّدة، وجرى ذلك مع خطّاطين وفنانين وباحثين وخبراء عالميين في هذا المجال، وأُقيمت تلك الندوات على هامش معرض "رحلة الكتابة والخطّ: دروب الروح " الذي أطلقته الوزارة في 11 من يونيو الجاري بمستشفى عرقة في الرياض. وجاءت الندوة الأولى تحت عنوان: "تطوّر الخط العربي وتتبُّعه في المنطقة العربية وخارجها"، بمشاركة كلٌّ من رئيس الأبحاث في المعهد الوطني للتراث بتونس الدكتور لطفي عبدالجواد، والبروفيسور والباحث في مكتبة الإسكندرية الدكتور محمد حسن، والخطّاط عبدالرحمن الشاهد، وأدارها أستاذ التصميم بقسم الفنون في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الدكتور هيثم نوّار. وناقش المتحدّثون استمرارية فنّ الخطّ العربي في مسارٍ تاريخي لم ينقطع منذ قرون، متطرقين إلى القيمة الجمالية والإنسانية لهذا الفنّ، وهي قيمةٌ جسّدها خطّاطون، وفنانون تشكيليون، ومصمّمون معاصرون في حقول فنّية متعددة، تتفاوت من كتابة الشعر إلى النحت والعمارة وتصميم الحُليّ، وأجمع المتحدّثون على أنّ فنّ الخطّ العربي ينطلق من أسسٍ وقواعدَ دقيقةٍ تشكّل جزءاً من الفلسفة الجماليّة للفنون العربية الإسلاميّة، كما تُميّزه عن باقي الخطوط في المجتمعات المختلفة. فيما حملت الندوة الثانية عنوان: "الخط العربي: الأبعاد الروحية لممارسات فن الخطّ"، فقد جمعت الخطّاطين إبراهيم العرافي، وأيمن حسن، وجاسم معراج، وأدارت الحوار الخطّاطة والباحثة المتدربة في الخطّ التقليدي نوريا غارسيا ماسيب. وأجمع المتحدثون على أنّ لِفَنّ الخطّ العربي أبعاداً كثيرة، أبرزُها ارتباطُه الوثيق بتدوين المصحف الشريف، مما حثّ الخطاطين على الارتقاء بهذا الفن إلى مصاف الفنون العريقة، مشددين على البعد الروحي لفن الخطّ العربي، إذ يُشكّل رحلةً إلى داخل الذات البشرية، حيث يُعبّر جمالُ الخط عن جمال الروح والشخصية، ومن هنا تكمُن قدرة هذا الفن على تنقيح النفس وتهذيبها، وهذا ما يتجلّى بصورةٍ رئيسية في علاقة الأستاذ والتلميذ، وفي السِّمات التي ينبغي أن يتحلّى بها المُخطِّط للارتقاء بكتاباته إلى أسمى المراتب. وجاءت الندوة الثالثة بعنوان: "تطوُّر الخط في الفن المعاصر والتصميم"، وأدارتها مديرة "مؤسسة خطّ" الدكتورة هدى سميتسهوزن أبي فارس، وشارك فيها كلٌّ من الفنان والخطاط ناصر السالم، والفنانة نور صعب، والفنانة لارا أسود. وقد تقصّت هذه الندوة القيَم الأزلية التي تربط الإرث الثقافي بالحِرَف والتقنيات الرقمية في سياق فنّ الخط المعاصر والتصميم القائم على الحَرف، كما استكشفت الاتجاهات الجمالية الجديدة في تصميم شكل الحَرف العربي. واسترشد المتحدثون بمفاهيم روحية كالضوء والمساحة والشِّعر، وهي مفاهيم تشكّل أقسام المعرض؛ لشرح خصائص فنّ الخطّ العربي والتصاميم القائمة على الحَرف. وفي الندوة الرابعة بعنوان: "الخط العربي في العمارة: الإزميل بدلاً من القصب"، التي أدارها أخصائي الفنون الإسلامية ومدير المتحف في معهد العالم العربي في باريس الأستاذ إيريك دلبون، تحدّث كلٌّ من المهندسة المعمارية سميّة دبّاغ، ومستشار جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، واستكشف المتحدّثان توظيف فنّ الخطّ العربي في العمارة الحديثة، وسلّطا بذلك الضوء على الاستخدامات المتعددة لهذا الفنّ، ممّا يضمن استمراريته نحو المستقبل. وأمّا الندوة الختامية التي جاءت بعنوان: "جماليات الخط في الحضارة العربية الإسلامية "، فقد أدارها الكاتب والشاعر الدكتور عيسى مخلوف، وشارك فيها كلٌّ من الخطّاط ناصر الميمون، والشاعر والكاتب غسان الخنيزي، والشاعر والناقد الفني محمد الحرز. وقد عرّف الدكتور مخلوف الحضورَ بمقوّمات فنّ الخطّ العربي وأنواعه ومحطّاته الأساسيّة، كما شدّد على أنّ ما يميّز فنّ الخطّ العربي هو أنه لا يقتصر على المنحى الجماليّ فحسب، بل يشمل أيضاً المنحى الإنسانيّ، مما يجعله فنًّا كونيًّا. وقد شكّلت هذه الندوة الختامية مناسبةً للاحتفاء بالخط العربي بطريقةٍ شعريّة وفنيّة، حيث أنشد الشاعران الخنيزي والحرز قصائدَهما في الوقت الذي خطّ فيه الخطّاط ناصر الميمون لوحةً فنية أمام الحضور على وقع الشعر والموسيقى. ومثّلت هذه الندوات المصاحبة لمعرض "رحلة الكتابة والخطّ: دروب الروح" مناسبةً لتبادل الأفكار والمعرفة والممارسات بين الخطاطين والفنانين المشاركين والمهتمّين بفنّ الخطّ العربي، وألقت الضوء على جماليّات هذا الفن الحاضرةِ في الكتابة، والعمارة والنقوش المختلفة، وفي كلّ ما يُزيّن حياتَنا اليوميّة ويعطيها معنىً أعمق. يُذكر أنّ معرض "رحلة الكتابة والخطّ: دروب الروح" سيستمرّ في مستشفى عرقة في الرياض حتى الثاني من سبتمبر المقبل، ويفتح أبوابه يومياً للزوّار بعد الحصول على تذكرة الدخول المجانية عبر الرابط: ( اضغط هنا )، على أن ينتقل بعدها المعرض إلى المدينة المنورة؛ ليستضيفه مركز المدينة للفنون في محطته الثانية لهذا العام، والممتدّة خلال الفترة من 15 أكتوبر إلى 23 ديسمبر.
مشاركة :