مهاتير والعودة إلى المشهد السياسي

  • 6/20/2023
  • 02:42
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من الصراعات المتتالية التي تلقاها في الأعوام الأخيرة من بعد أمجاده القديمة كأحد ألمع قادة ماليزيا منذ استقلالها 1957، وأكثرهم نفوذا وإنجازا، فإن مهاتير محمد لا يكل ولا يمل من محاولات تسيد المشهد السياسي في بلاده، وقد قارب عمره 100 عام. وربما ما يجعله اليوم أكثر إصرارا على العودة إلى الأضواء وإيهام الماليزيين بأن بلادهم لا يمكنها المضي إلى الأمام دون وجوده في دفة القيادة، هو وصول أنور إبراهيم إلى سدة الحكم من خلال انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 العامة، علما بأن الأخير كان أحد ضحايا مكائد مهاتير السياسية وتعرض على يده لعملية طويلة من تلطيخ السمعة والازدراء والمهانة والاعتقال، من بعد أن كان يوما ما أحد أقرب مساعدي مهاتير وأصدقائه الشخصيين، والمرشح الأقوى لخلافته. فعلى ماذا، يا ترى، يراهن زعيم ماليزيا الأشهر اليوم لسحب البساط من تحت قدمي حليفه وغريمه السابق الذي تمكن من الوثوب إلى السلطة على رأس حكومة وحدة وطنية مكونة من ائتلاف ثلاثة أحزاب؟ لقد كان مهاتير طيلة فترة ولايته الأولى ما بين 1981 و2003 رئيسا للوزراء وقائدا لحزب البلاد التاريخي الأوسع نفوذا وهيمنة "المنظمة الوطنية المتحدة لشعب الملايو، المعروف اختصار باسم أومنو UMNO"، مؤيدا بقوة لحقوق الماليزيين من عرقية الملايو وغيرهم من سكان البلاد الأصليين المعروفين باسم "بوميبوتيرا"، ومطالبا بمنحهم الأفضلية على حساب بقية الأعراق، كونهم يشكلون معا نحو ثلثي سكان البلاد. وفي الوقت نفسه، كان في صراع ومنافسة دائمة مع الحزب الإسلامي الماليزي PAS الذي كان يرفع شعار الإسلام السياسي وتطبيق الشريعة. من هنا فإن ما حدث أخيرا بين مهاتير والحزب الإسلامي من اتفاق وتحالف كان مفاجأة لفتت الأنظار، وأطلقت التساؤلات عن خفايا التحالف وأهدافه. صحيح أن الطرفين سبق لهما التحالف في 1999، فخاضا معا انتخابات ذلك العام، التي أسفرت عن خسارة مهاتير وحزبه آنذاك، حزب UMNO، حكم ولاية "تيرينغانو" النفطية المهمة لمصلحة الحزب الإسلامي، لكن الصحيح أيضا هو أن الخلافات سرعان ما دبت بينهما بسبب طريقة إنفاق مداخيل النفط المستخرج من الولاية، وكذلك بسبب تصادمهما أيديولوجيا حول التطبيق الصارم لأحكام الشريعة في الولاية. ولئن كان تحالفهما في 1999 لأسباب انتخابية بحتة، فإن تحالفهما اليوم له دوافع أخرى. ففي أواخر أيار (مايو) الماضي، أطلق زعيم الحزب الإسلامي هادي أوانغ، ما عرف باسم "إعلان الملايو"، وهو عبارة عن وثيقة من 12 نقطة كتبها مهاتير محمد، وتهدف إلى "استعادة السلطة السياسية للملايو"، في إشارة مبطنة إلى أن مواطني البلاد من عرقية الملايو ومن البوميبوتيرا قد فقدوا نفوذهم السياسي اليوم، أي في ظل حكومة الوحدة الوطنية بزعامة أنور إبراهيم، وأنه من الضروري الآن تنحية الخلافات السياسية من أجل رص الصفوف وإنقاذ الإثنية الملايوية. وهكذا نرى أن رهان مهاتير اليوم هو على الماليزيين من عرقية الملايو بالدرجة الأولى، وعلى البوميبوتيرا بالدرجة الثانية، من خلال إشعارهم بأن مصالحهم ومكتسباتهم وعقيدتهم في خطر، وأن عليهم منح أصواتهم الانتخابية للتحالف الجديد، بدلا من تشتيتها وتوزيعها على أحزاب الائتلاف الحاكم المكون من بريكاتان الوطني PN وباريسان الوطني BN وباكاتان هارابان PH. ويجمع مراقبو الشأن الماليزي على أن مهاتير يلعب لعبة خطرة وضارة بالنسيج الاجتماعي للبلاد، مشيرين إلى أن تحفيز مجموعة عرقية واحدة عبر الدعوة إلى "وحدة مواطني الملايو" تعد عملية إقصائية، لأنها تركز على حقوق ومصالح فئة من المواطنين، بينما تتجاهل احتياجات ومصالح شركائهم في الوطن من الأعراق الأخرى، ومؤكدين أن الرجل وحلفاءه الجدد لن يحققوا أي شيء من وراء هذه السياسة التي ستجعل المجتمع الماليزي التعددي مستقطبا على أسس عرقية أكثر فأكثر، ما يزيد من احتمالات الاضطرابات الاجتماعية. وهذا صحيح، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان حقيقة أن ماليزيا تواجه اليوم تحديات تنموية خطيرة نجد تجلياتها في الركود الاقتصادي والبطالة في صفوف الشباب وتكرر الفيضانات بسبب التغير المناخي. وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه التحديات لا تعالج بالاستقطابات السياسية المرتكزة على العرق، وإنما بالتركيز على القضايا المؤثرة في حياة جميع المواطنين دون تفرقة من تلك التي تشجع على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي وتعزز الرفاهية الاجتماعية وتقلل من مخاطر الانقسام والفئوية. ومن المعروف أن الدستور الفيدرالي الماليزي يشتمل على عديد من الأحكام التي تكرس مكانة خاصة للمواطنين من الملايو والبوميبوترا، وهذا -في اعتقادنا- كاف لتبديد مخاوفهم، وبالتالي فإن جهود الحكومة والساسة يجب أن تنصب على إيجاد توازن يعالج مخاوف الأكثرية الملايوية مع تعزيز المجتمع الشامل. وأخيرا، فإن ماليزيا على موعد مع انتخابات محلية في ست ولايات من أصل ولاياتها الـ13 في تموز (يوليو) المقبل، الأمر الذي سيوفر مؤشرا جيدا حول ما إذا كان المواطنون من عرقية الملايو يدعمون إدارة أنور إبراهيم، أم أن مهاتير وحليفه الإسلامي PAS نجحا في كسبهم إلى جانبهما.

مشاركة :