خائفة، مترددة، بلباس بسيط وجمال طبيعي يندر أن تجد مثله وسط صخب نيويورك وزيفها واختناقاتها السكانية، تدلف أندريا مقر إحدى أكبر وأهم وأعلى مجلات الموضة مبيعًا في الولايات المتحدة الأمريكية كلها، أندريا لا تملك أدنى اهتمام بالموضة، ولا تعرف ألف باء تنسيق الملابس، لكنها لمّا عجزت عن العثور على أي عمل يخص تخصصها قررت التقديم على وظيفة مساعدة ثانية لرئيسة التحرير، فقط لفترة مؤقتة، فقط حتى تجد أساسًا ثابتًا لقدميها في مدينة المتغيرات والأحلام هذه، ولم تكن تدري أن حياتها بأكملها ستنقلب رأسًا على عقب وأنها بصدد التعرف على أكثر شخصية حازمة طموحة غريبة الأطوار في حياتها كلها! "الشيطان يرتدي ماركة برادا" رواية أولى للكاتبة Lauren Weisberger، الرواية الوحيدة التي نجحت نجاحًا ساحقًا حتى قبل اكتمالها، فقد اشترت شركة 20th century fox حقوق تحويل الرواية إلى فيلم بعد كتابة مئة صفحة فقط من الرواية! وتحمس لها الكثيرون، وأذهلتهم شخصية رئيسة التحرير الشريرة في الرواية ميراندا بيرسلي، وللعجب فالفيلم كان شديد النجاح بالفعل، فيلم مثير بحبكة درامية رائعة وتجسيد واقعي للغاية لكثير من الشابات الطموحات اللواتي يتخرجن ليجدن أنفسهن في غابة الوظائف تلك، ويبدأن العمل في أبعد مجال عن تخصصهن، وفقط من تملك المهارة والصبر والدهاء اللازم سوف تصل. وكعادة الروايات التي تُبنى على تجربة شخصية أو ذكرى أو طفولة بعيدة منسية كانت الرواية عفوية وعذبة للغاية، نعم فالكاتبة كانت تحكي عن تجربتها مع مديرة تحرير مجلة الموضة والأزياء العالمية فوغ، حيث عملت لديها لفترة قصيرة قبل أن تقرر الرحيل بعيدًا عن زوبعة الجنون تلك، الأمر الذي يفسر خوف منتجي الفيلم من ردة فعلها بعد صدوره، لكن مديرة التحرير حضرت افتتاحية الفيلم وكانت من أوائل من سجل إعجابه به وأحداثه وشخصياته، وعقبتْ أن أي عمل يروج للموضة وبريقها وألوانها لهو عمل يستحل كل دعمها وحبها! لعل الفيلم كان جميلًا هكذا؛ لأنه من بطولة اثنتين من أعظم ما أنجبت لنا هوليوود، الشابة الحسناء آن هاثاواي والممثلة التي حفرت اسمها بحروف من ذهب ميريل ستريب، تبدأ أندريا العمل لدى ميراندا التي تسخر من منظرها ولباسها، وتكتشف أندريا مدى تعقيد هذا العالم الصاخب الضخم المدعو بالموضة ومدى صعوبة العمل لدى شخصية صعبة المراس وشهيرة ومتعبة مثل ميراندا، لكن لا تمضي بضعة أشهر حتى تثبت أندريا أنها أفضل من عمل في المجلة على الإطلاق، حيث يسعفها ذهنها الحاضر وذكاؤها وقدرتها المرنة على التعامل مع جنون ميراندا في التصدي لكل المهام التي تبدو أحيانًا مستحيلة والتي كانت تكلفها بها طوال الوقت، وكان مشهد ميراندا التي تدخل المكتب كل صباح وتلقي بمعطف فاخر يختلف كل يوم على مكتب أندريا طالبة مهمة جديدة سريعًا منها من دون التوقف أو التريث لحظة لتمهلها فرصة استيعابها حتى، هو مشهد أيقوني ساحر وأجمل مشهد في الفيلم على الإطلاق، حتى إنه قُلد في الكثير من الأعمال الدرامية والكوميدية، وبعد الكثير من العناء وبعد أن تصل أندريا لموقع مميز في المجلة، بعد أن يتحسن ذوقها كلية في انتقاء ثيابها، تصل حياتها الاجتماعية إلى الحضيض، ويخبرها مدير التحرير ساخرًا أن دمار الحياة الشخصية لامرئ هو دليل نجاحه في مهنته! وتبدأ ميراندا تنجرف بعيدًا عن نفسها، عن مُثلها، عن سعادتها، عن كل ما اعتادت الإيمان به قديمًا، وبرغم شعورها بالفخر إثر تفوقها ونجاحها وإعجاب ميراندا بها إلا أنها تسقط في دوامة اكتئاب عميقة وتشتاق بشدة لكل أصدقائها القدامى ولأبيها الطيب الذي لطالما دعمها، وفي النهاية تقرر الرحيل باختيارها، ونراها في المشهد الأخير من الفيلم تلمح ميراندا في عربة فاخرة وسط الشارع لكن السيدة الشهيرة تتظاهر بعدم رؤيتها وتضحك أندريا بسخرية فيما تواصل طريقها بينما تنتقل الكاميرا إلى ميراندا وهي تتأمل خطوات أندريا المتباعدة لوقت طويل، قبل أن تفيق وتلتفت إلى السائق آمرة بالرحيل. الفيلم عُرض عام "2006" في دور السينما وحقق نجاحًا هائلًا وبلغت إيراداته أرقامًا ضخمة، ورشح لأكثر من "35" جائزة سينمائية منها جائزتا أوسكار.
مشاركة :