«عُمْرين في عُمْر» .. مشاعر الحب في ثوب الانتقام

  • 6/22/2023
  • 00:35
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القراءة في بعض الروايات تشبه الماء، سهلة لكنها تروي الظمأ، ولا سيما حينما تكون الكتابة شفافة مثل رواية "عمرين في عمر"، للروائية القطرية فاطمة زينل. في قصة على غرار قصص قيس وليلى، عنتر وعبلة، تمضي بنا الروائية إلى مفترق طرق بين مشاعر الحب والاعتياد، لتجيب عن سؤال، كيف يمكن للمرء أن يعشق بقلب واحد شخصين معا؟ وكيف يمكن أن يكون هناك شخص أناني بهذا القدر من الأنانية رغم اهتمام من حوله به؟ مزحة عائلية تقليدية تباغت زينل قراء روايتها بمقدمة تشوق القارئ لما تحمله الصفحات التالية من روايتها "عمرين في عمر"، حينما كتبت عن روايتها بأنها تختلف عن باقي الروايات في طريقة سرد الرواية وأبطالها، فإنها ليست كالمعتاد، بل هي أحداث مرتبطة ببعضها بعضا لتنتج رواية واحدة لأبطال نعيش معهم في أحداثهم ونرويها معا. وتحكي الرواية قصة نور وعبدالله، "أبناء الخالات"، اللذين ارتبطا ببعضهما منذ الطفولة، مثل أغلب العائلات العربية التي تربط منذ الصغر اسم الصبي على بنت خالته أو عمته، وتصبح أسماؤهما مرتبطة مع بعضها بعضا حتى يكبر أحدهما، فيصدق المزحة أو يكذبها وينفيها، لكن بطلا القصة أحبا هذا الربط، وربطا اسميهما في بعضهما بعضا حتى في كبرهما، وصدقا المزحة. وتتبع الحكاية قصة حبهما، إذ إن العربي معروف بوفائه، وإن عجز عن التعبير عنه بلسانه، عيناه تحكيان ما يشعر به، وإن غلب عيناه العجز بعدم تعبيرها، أفعاله تثبت ذلك. مشتتة المشاعر يعيش بطلا القصة حلو الحياة ومرارتها معا، يتقاسمان الحزن قبل الفرح، ليحمل كل منهما حزن الآخر وهمه، ويخفف عنه ثقل ما يشعر به، ويقويان أنفسهما معا بحبهما، وبأحاديثهما يعيشان عمرا جديدا مختلفا عن الأمس، وفي كل يوم يمضي حبهما لا يريدان إعادته، لأنهما على علم تام بأن أيامهما المقبلة مليئة بما يفوق الحب الذي عاشاه في اليوم نفسه، والذي يمضي من عمرهما يوم واحد فقط. وفي ثنايا الرواية، فإن نور الشخصية الرئيسة هي في حقيقتها فتاة مشتتة المشاعر، بعد أن غاب عبدالله عنها تسعة أشهر متتالية للحصول على النجمة العسكرية، ووعدها بالعودة ليحقق حلمه الثاني بالزواج ممن يحب، معشوقة الطفولة، توأم الروح والنفس والحياة. وخلال هذه الساعات والأيام والشهور الطويلة، تقود المصادفة نور للتعرف على "عمر"، الطرف الثالث الذي يختبر صدق الحب ونقاءه، لتعيدنا الرواية في ختامها إلى تساؤل مبكر: إن كانت البدايات جميلة، فهل ستكون النهاية مشابهة للبداية؟ الشوق المرهق كيف تتجاهل الشوق المرهق؟ هذا السؤال الذي حاولت الروائية القطرية أن تجيب عنه، وتبرز لنا في الأحداث وتسلسلها كيف يمكن للشوق أن يكون مدمرا. كانت نور تطفئ شوقها لعبدالله في صوت آخر، وتطفئ كذلك تأنيب ضميرها، وشوقها الذي لا ينطفئ، بل يزداد كل يوم جمرة ويحرقها لتحرق نفسها بأكملها بقربها من خطئها، تدعو القادر بأن ينزع محبة شخص من داخلها بقدرته، بعد أن أرهقها كتمانها لسرها، فقد كانت تشارك مشاعر الحب مع غير عبدالله، عمر زميل الجامعة، الذي شغلها عن حزنها بضحكاتها، وغاب بشكل مفاجئ مثير للتساؤلات. أجمل المشاعر الكاذبةنور في سير الأحداث والمواقف التي تمر بها تقسو على مشاعرها، لئلا ترجع إلى خطأ الشوق لغير عبدالله من جديد، فالأيام القاسية تجعلنا نفعل ما لا نريد، حتى نرتبط بخطئنا ونرضى به دون إرادتنا، على حد تعبير فاطمة زينل. سقاها "عمر" أجمل المشاعر الكاذبة، ليجعلها تذبل في النهاية، فأغرقها بالخوف في غيابه، وتركها تتشتت، حتى علمت واعترفت أمام نفسها بأن ما كانت تعيشه هو اعتياد، وليس هناك شعور يفوق هذا الشعور، ورغم ذلك، تخبرنا الرواية في مكنوناتها بأن الجروح دائما تقوي، والصفعات دروس تعلم، لتقوى نور وتنور كل ما ظلمته نفسها، وتصحح ما قامت به، وتعترف أمام نفسها بكل شعور تشعر به وتنسى كبرياءها أمام ذاتها. أحداث خيالية أكدت لـ «الاقتصادية» الروائية القطرية فاطمة زينل، على هامش معرض الدوحة الدولي للكتاب، أن الرواية استغرقتها ستة أشهر، من أحداث خيالية، حيث تصنف بأنها رواية عاطفية، تحكمها لعبة انتقامية، بأحداث مشوقة ومفاجئة. الرواية الصادرة عن دار بوك لاند للنشر والتوزيع، وتقع في 126 صفحة، تبدأ بإهداء كتبته الروائية "إلى من أهداني نصفه الثاني، ومد لي عمره الباقي من أيامه، إلى من جعلني أرسم له البسمة والسعادة، وأتحكم في حزنه بمزاجيتي، إلى من رسمني وشكلني بنظرة، وغير حياتي بقربه في عيني، إليك أكتب ما أشعرتني به، وإليك أعترف بأجمل اعترافاتي، إليك قصتك لتعرف مدى حبك، إليك أهدي نفسي لك بأكملي". وتشير الكاتبة إلى أنها بدأت مسيرتها في عالم الكتب من خلال إصدارها كتاب "أمنيشن"، وهو عبارة عن نصوص وخواطر، ويرمز عنوانه إلى إلى كلمة "أمنية" العربية الفصحى، وتم تغييرها ليتميز به القارئ مثلما تميزت أمنياتها. تتشافى بالكتابة "الأخطاء تذكر الشخص بنفسه، فيعود إلى ذاته دون أن يهلك غيره".. الخطأ وحده هو من أعاد عمر إلى الواجهة مجددا، فالبطلان هاهما يتزوجان، فما مصير ثالثهما؟ دلالات ومعان عميقة ترافق ظهور عمر، بعد أشهر مضت وأعوام فاتت دون خبر عنه، ليكشف عن دوره في هذه اللعبة العاطفية، في مفاجآت تتضمنها النهاية، والتي تعمق معنى التشافي بالكتابة، فـ "نور" كاتبة، تعشق هوايتها التي تخرجها من واقعها إلى عالمها الخاص، ومن خلال روايتها المنتظرة تخرج كل ما فيها من مشاعر وحروف وكتابة وشتات، فالكتابة بالنسبة إلى الكاتب شفاء ودواء للبال والروح. عندما ينتهي القارئ من الرواية، تخبرنا فاطمة زينل، بأن لكل شخص صفة يكرهها أو لا يعترف بها، فكيف من الممكن أن يحبها عقب حدث يقلب موازين الاتزان التي كان يعيش عليها، ويعايش الصفة التي يخفيها، فهل من الممكن أن تعترف في يوم بأنانيتك؟ ليصبح لديك "عمرين في عمر".

مشاركة :