تعز وئام الصوفي: المخا إحدى مدن محافظة تعز، وهي مركز مديرية المخا، وتبعد عن باب المندب نحو 75 كيلومتر شمالاً وعن مدينة تعز بمسافة 100 كيلومتر غرباً وعلى بعد حوالي 94 كيلومتراً على ساحل البحر الأحمر، وتعد أحد الموانئ القديمة التي ذكرتها النقوش الحميرية باسم مخن لقيامها بأدوار تاريخية هامة قبل وبعد الإسلام، لكن هذه المدينة الساحلية قد تحولت في عهد علي عبد الله صالح إلى مركز لتهريب الأسلحة، وبعد إزاحته عن الحكم كانت المدينة قد بدأت تستعيد عافيتها وحياتها كمركز تجاري، غير أن الحرب التي تشنها ميليشيات الحوثي وصالح على مدينة تعز وفرض حصارها الخانق عليها أوقفت عمل ميناء المخا عن الحركة التجارية، وأصبحت شبه خالية في المدينة التابعة إدارياً لمحافظة تعز. كانت مدينة المخا، عبر مينائها الشهير، منطلقاً لتصدير أهم السلع اليمنية للخارج عبر مينائها وكان البن من أهم تلك السلع، إضافة إلى الصبر والبخور وأعواد الآراك في العصور القديمة، كما تصدر كميات كبرى من الزبيب. وكان ميناء المخا يعد من أشهر الموانئ في العالم، ومن أهم المراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر، ويعود الفضل إلى ميناء المخا في التعريف باليمن وبالبن اليمني الذي كان يصدر عبره، الذي يتمتع بجودة عالية، تميزه عن غيره، فقد عرف ومازال يعرف باسمها (موكا) حتى اليوم. وتعود أهمية هذا الميناء لقربه من الممر الدولي بمسافة 6 كيلومترات تقريباً بما يعادل 3.2 ميل بحري، حيث يربط بين أوروبا وشرقي إفريقيا وجنوبي آسيا والشرق الأوسط، إضافة إلى موقعه الجغرافي المتميز بالنسبة للمناطق الجنوبية والمناطق الوسطى وقربة من مضيق باب المندب ودول القرن الإفريقي والبحر العربي، وكل هذه المميزات جعلت منه ميناء هاماً واستراتيجياً. الآن كل شيء توقف في ميناء المخا من تصدير واستيراد، وتوقفت العملية التجارية بشكل عام، جراء الحرب التي تشهدها محافظة تعز، والمواجهات الدائرة بين قوات الشرعية وميليشيات الحوثي وصالح في المدينة، كما تسببت الحرب في نزوح جميع سكانها إلى قرى مجاورة آمنة، خوفاً من قصف الميليشيات العشوائي وضربات طيران التحالف التي تستهدف مواقع الميليشيات في أنحاء المدينة وساحلها. تميزت مدينة المخا بمواقع أثرية عدة ذات طابع معماري متميز من التراث الحميري وبعض البيوت داخل سور المدينة المبنية من الحجارة والطوب، أما أكثر المنازل سواء داخل سور مدينة المخا وخارجه فإنها عبارة عن أكواخ مخروطية من العشش المبنية بالقش. ذلك التراث المعماري تضرر خلال الحرب وتلك الأكواخ المخروطية التي هجرها ساكنوها وكذلك تضررت المساجد ومن أبرزها: جامعا الشاذلي وزينب التاريخيان الأثريان إضافة إلى جوامع النور والرحمة وأبو إسماعيل التي تضررت أجزاء منها بسبب الانهيارات، وعدم الترميم منذ بنائهما، والسبب الآخر هو حرب ميليشيات الحوثي وصالح. يوجد في مدينة المخا 20 جامعاً منها أربعة مساجد أثرية وتم تدمير بعضها ومنها من تعرض لتدمير جزئي. ويعود جامع الشاذلي التاريخي إلى ما قبل سبعة قرون ورغم أهمية الجامع إلا أنه ما حظي بأي اهتمام من قبل دولة المخلوع صالح، الذي تمسك بالسلطة 33 عاماً، وعاش الجامع دون ترميم حتى أتت الحرب وتعرض للتدمير الجزئي. ويقع جامع الشاذلي على مقربة من ضريح حاتم العلو الذي كان عبارة عن مبنى اتخذ على شكل جامع لتأدية الصلاة وهو الآخر تم تدميره. كما شوهت الحرب مدينة المخا ومينائها، الذي يعد أهم معالمها ويقع على الساحل الغربي للبلاد ولم يتبق من معالمه سوى بقايا الرماد الذي خلفتها الحرب وإهمال الدولة في عهد صالح. مسجد زينب الأثري هو الآخر تعرض للتدمير من قبل ميليشيات الحوثي وصالح، وكان يتميز بمنارة مصنوعة من بعض النقوش الأثرية، وقيل إنه تم بناؤه قبل 200 عام، فيما قال آخرون إنه تم بناؤه قبل خمسة قرون وينسب مسجد زينب إلى زينب بنت علي بن أبي طالب. هكذا دمرت الحرب مدينة المخا التاريخية بكل معالمها ومتنزهاتها وما تبقى من آثارها وشواهدها التي كانت عبارة عن قصور تتكون من أدوار عدة، دمرت الحرب معظمها وما بقى منها أصبحت على حافة السقوط.. الحرب في هذه المدينة الساحلية أوقفت عمل الصيادين وشردتهم، فمنهم من ترك قاربه ونزح مع النازحين إلى جيبوتي والصومال، ومن بقي منهم يعيش أوضاعاً مأساوية صعبة، ويبكي على الأطلال ويعاني التهميش ولا يجد ما يطعم أسرته. يقول الصياد عبد الله عباس الذي نزح إلى مديرية دمنة خدير لصحيفة الخليج، بعد أن توقفت الحركة التجارية وتوقفت عملية الصيد: نعيش أوضاعاً مأساوية صعبة، وقد هربت من مواجهات الحرب في مدينة المخا إلى دمنة خدير مسقط رأس زوجتي.. هي الحرب، إذاً، لم يبق في مدينة المخا أي شيء من التراث المعماري إلا وكان له نصيب من التدمير، وتسببت الحروب في نزوح أهالها بعد أن فقدوا المأوى والعمل.
مشاركة :