إنه بمجرد ما يقال لك تواصل مع أحدهم، فإنه لا يتبادر إلى ذهنك إلا الاتصال به هاتفيا على هاتفه المتحرك، أو إرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس أب، وستشعر بصدمة كبيرة للغاية عندما يقال لك «إنه من عادته أنه لا يرد على هاتفه، أو أنه ليس لديه واتس أب»، ويمكنك أن تقول «كيف يعيش بدونهما! وتبدو صدمتك أكبر لو قابلت هذا الشخص وبدا لك إنسانا طبيعيا، يمكنك أن تصل إليه متى ما أردت ذلك من خلال هاتف ثابت، وجهاز الإجابة الآلي لو تم تفعيله، بمجرد أن تترك رقم هاتفك، حتما سيعاود الاتصال بك»، وتكاد تصاب بنفس الصدمة والاستغراب عندما يقال لك بأن أحدهم ليس له حساب في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان ليس بغرض النشر بل على الأقل بغرض الاطلاع، ويمكنك أن تقول كيف يمكنه أن يعرف ماذا يجري بالعالم الخارجي بلا وسائل التواصل الاجتماعي؟ فهل هناك شخص لا يملك حسابا في أحد هذه التطبيقات الشهيرة؛ التيك توك أو سناب شات أو الانستقرام أو الفيس بوك أو تويتر؟؟! وتصاب بصدمة أكبر عندما تعرف بأن هذا الشخص لا يجهل أي من أحداث العالم وأنه يعيش حياة طبيعية للغاية فهو لا يجهل إلا ما لا قيمة له! وتبدو الصدمة أكبر لو قيل لك أن أحدهم أيضا لا يستخدم السيارة، وتتخيل شكله بأنه رث الملابس، قليل الحيلة وقد يكون معتلا نفسيا ويحتاج لمساعدة فكيف يمكن لشخص أن يعيش هذا الحياة مهما كانت مبرراته بلا سيارة، ولكنك بمجرد ما تقابل هذا الشخص تعرف أنه بهندام جيد، وعقلية متقدة، وذكي للغاية، ويقدم لك المساعدة لو احتجت إلى ذلك من اتساع حيلته وأن السيارة التي لا يستخدمها فهو أمر اختياري للغاية، فهو لم يقد سيارته منذ أسبوعين أو ثلاثة ويجد بدائل متعددة فيركب مع الأصدقاء وسيارات التاكسي، ويستفيد من الوقت الضائع في الطرق والازدحام في قراءة كتاب الكتروني من الجهاز اللوحي المطوي الذي في جيبه والأمر طبيعي للغاية، ولا يبدو عليه أنه متأخر عن العالم بأي شيء! ماذا يحاول هذا العالم أن يقنعك بصيغته الحالية الآن؟ كل الرسائل التي تأتيك في مجال اللاوعي لدينا تقول إنه لا يوجد بدائل لما نملك، ولا يوجد خيارات للناس أن تعيش بدون هذه الوسائل (سواء كانت تقنية أو خيارات أخرى) فكل ما في العالم يحاول أن يقول أيضا لك: أنت لا تبدو إنسانا طبيعيا إن لم تخضع لآلة الموضة التي اصطنعتها شركات التسويق، ولاحظ معي أن معظم الأشياء التي نظن أننا لا نعيش بدونها أنها من الأشياء الاستهلاكية التي تتغير بشكل سنوي، والناس شرهة للغاية في استبدالها بالجديد، مثل السيارات (الناس تحب آخر موديل من آخر سيارة وتعشق التغيير فيها، وتبدل سريع وكبير في مواقع التواصل الاجتماعي وتحديثات مستمرة تحاول ضمان بقاء تعلقك فيها، وسائل اتصال بأعمار قليلة جديدة لنا حتى يكاد الشخص منا يغير جهازه المحمول كل سنتين على أبعد تقدير، وكل شيء مرتبط بتطور ذهني أكثر مما هو حقيقي!). والحقيقة أنه يمكننا أن نعيش بدون هذه البدائل لو تقبلنا خيارات البشر، وتقبل الناس وجود آخرين يعيشون دون أن ننمط حياتهم على شكل حياتنا، ودون أن تلعب وسائل الإعلام والآلة الاستهلاكية العالمية في تحقير من يملك جانبا مختلفا عن جانبهم الذي يؤيد ويشجع الاستهلاك والاستبدال والجديد والتقنية، بل يعطي صورة سلبية للغاية لذلك الشخص وتظهره بالثياب الرثة والتخلف ويأتي السؤال الاستنقاص الذي بدأنا في الأمثلة: كيف يعيش بدون هذه الأدوات؟ هذه بعض الحالات التي تحاول أن تنمط حياتنا، وإلا في الحياة أمثلة لا تعد ولا تحصى! Halemalbaarrak@
مشاركة :