لا تظهر إسرائيل علنا دعما لأي من المتنافسين على خلافة الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة فتح محمود عباس، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية داخل الضفة الغربية وارتخاء قبضة المؤسسات الأمنية قد يدفعانها إلى اتخاذ قرارات تحسم مصير السلطة الفلسطينية. القدس - أحيت الدعوات إلى شن عملية عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية الجدل بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية التي بدت عاجزة مؤخرا عن السيطرة على المجموعات المسلحة، وأصبح احتمال التوصل إلى سلام بطريق التفاوض أضعف، في ما يبدو، من أي وقت مضى. وتجلت بوضوح هشاشة الأوضاع في الضفة الغربية بعد معركة بالأسلحة النارية وقعت الاثنين الماضي قُتل فيها سبعة فلسطينيين وأُصيب أكثر من 90 تلاها بعد يوم واحد مقتل أربعة إسرائيليين وأعمال تخريب في القرى الفلسطينية نفذها مستوطنون إسرائيليون. وكشفت هذه الأحداث الضعف الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية في مواجهة المئات من المسلحين الفلسطينيين في المدن المضطربة مثل جنين ونابلس، فيما يوجه توسع المستوطنات الإسرائيلية المزيد من الضربات لآمال الفلسطينيين في إقامة دولة على الأرض التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. وتأسست السلطة الفلسطينية قبل 30 عاما بموجب اتفاقيات السلام المؤقتة مع إسرائيل التي ساعد الرئيس محمود عباس في صياغتها. لكن شعبية هذه السلطة تترنح بفعل مزاعم الفساد وعدم الكفاءة وترتيبات التعاون الأمني المكروهة على نطاق واسع مع إسرائيل. مئير بن شبات: تل أبيب قد تضطر إلى قرارات تحسم مصير السلطة الفلسطينية مئير بن شبات: تل أبيب قد تضطر إلى قرارات تحسم مصير السلطة الفلسطينية ويتفق مسؤولون سابقون في الجيش والاستخبارات الإسرائيلية على أن تنفيذ هكذا عملية قد يسرع من انهيار السلطة التي تأسست إثر اتفاقيات أوسلو عام 1994. وكان مسؤولون فلسطينيون حذروا في الأعوام الأخيرة من أن التصعيد الميداني الإسرائيلي بالتوازي مع التصعيد الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية وشح المساعدات المالية العربية والغربية من شأنها أن تؤدي إلى انهيار السلطة. وفي ظل هذا الوضع الهش في الأراضي الفلسطينية برزت دعوات إسرائيلية إلى تنفيذ عملية عسكرية في الضفة الغربية حذر البعض من أنها قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية. والاثنين، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله خلال جلسةٍ مغلقة عقدتها لجنة الخارجية والأمن البرلمانية “لا ترغب إسرائيل في انهيار السلطة الفلسطينية، لا بل هي مستعدة لمساعدتها اقتصادياً وتعزيزها”. وأضاف “حيثما تتمكن السلطة الفلسطينية من أداء مهامها، فهي تقوم بذلك بدلا عنا ولهذا فنحن معنيون ببقائها”. وتابع “إسرائيل تستعد لمرحلة ما بعد رئيسِ السلطة الفلسطينية عباس”، دون مزيد من التفاصيل. ومع ذلك فقد اعتبر نتنياهو أن “على إسرائيل سد الطريق أمام طموحِ الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة لهم”. ولم يحسم هذا الموقف الجدل حول العملية العسكرية ومستقبل السلطة الفلسطينية. ويقول مئير بن شبات رئيس معهد ميسغاف لشؤون الأمن القومي ومستشار الأمن القومي السابق إنه “بعد مرور 3 عقود على اتفاق أوسلو، قد تضطر الحكومة الإسرائيلية قريبا جدا إلى اتخاذ قرارات ستحسم مصير السلطة الفلسطينية التي تشكل ثمرة هذا الاتفاق”. تامير هايمان: أحد أكبر المخاطر هو تسريع انهيار السلطة الفلسطينية تامير هايمان: أحد أكبر المخاطر هو تسريع انهيار السلطة الفلسطينية وأضاف “المعضلة الرئيسية التي تواجه القيادة الإسرائيلية بما يخص طابع المعركة ضد الإرهاب في الضفة الغربية هي كيفية التعامل مع السلطة الفلسطينية: هل يجب النظر إليها كجزء من المشكلة أم كجزء من الحل أو كمزيج بينهما؟”. ويرى بن شبات أن إعلان فلسطينيين عن إطلاق فاشل لقذائف من منطقة جنين بشمالي الضفة الغربية باتجاه إسرائيل قبل أيام “قد يقنع حتى من شكك في ضرورة القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد البنى التحتية في شمال الضفة الغربية”. وكان يمينيون إسرائيليون دعوا في الأسابيع الأخيرة إلى تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في الضفة الغربية حتى لو اقتصرت على شمالي الضفة. وقال بن شبات “إسرائيل لا تستطيع السماح بتكرار ما حدث في غزة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أيضا” في إشارة إلى إطلاق الصواريخ من القطاع. وأشار المستشار السابق لنتنياهو إلى “موضوع آخر سيؤثر على طريقة العمل الإسرائيلية يخص ما سيحدث بعد هذه العملية”. وأضاف “لا يمكن التوقع بأن السلطة الفلسطينية حاليا، عشية اندلاع المعارك على وراثة أبومازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) ستعمل بشكل فعال ضد التنظيمات والميليشيات المحلية أكثر مما كانت عليه حتى الآن”. ويجمع عباس كذلك بين منصبي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة فتح، ولم يختر خليفة له وبقي في السلطة على الرغم من انتهاء فترة ولايته رسميا في عام 2009. لكن نحو 80 في المئة من الفلسطينيين يريدون منه الاستقالة، وفقا لاستطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. وتصاعد الضغط عليه باتجاه الاستقالة. وقال مسؤول كبير في فتح تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع إن مسألة خلافة عباس أصبحت في الأشهر القليلة الماضية “موضوعا يناقش أكثر من أي مرة”. وتتنافس مجموعة من كبار قادة فتح على المنصب منذ شهور، في مناورات تجري في الدهاليز الخفية وخلف الستار. ومما يزيد الأمر تعقيدا عدم إجراء انتخابات منذ عام 2006، وعدم وجود آلية واضحة لتحديد انتقال الخلافة. اقرأ أيضا: • نتنياهو يتخلى عن "بند الاستثناء" الخلافي في خطة التعديلات القضائية • السلطة الفلسطينية إذا قالت وإذا سكتت • مخطط إسرائيلي لمحو حدود 1967 واستبدالها بحدود 2023 ومن بين الخلفاء المحتملين حسين الشيخ أحد أقرب حلفاء عباس، أو مروان البرغوثي وهو أسير لدى إسرائيل منذ عقدين وزعيم انتفاضة فلسطينية بين عامي 2000 و2006 وينظر إليه كثير من الفلسطينيين على أنه بطل. وستتوقف كثير من الأمور على ما ترغب إسرائيل في قبوله، لكنها تجنبت على الأقل في العلن الانحياز إلى أي طرف. وقال مسؤول حكومي إسرائيلي كبير “لا يمكن لإسرائيل أن تختار قيادة للفلسطينيين”. ويسعى قادة فتح عموما، بحسب ما يبدونه على الأقل في العلن، للتقليل من شأن التكهنات لكنهم يعترفون بأن نقاشا حول القيادة يدور داخل الحركة. وقال محمود العالول نائب رئيس فتح وأحد خلفاء عباس المحتملين “هناك كثير من المبالغة في طرح هذه الموضوعات والمبالغة باتجاه أننا ذاهبون باتجاه المجهول”. وأضاف “نعم هناك الكثير من القضايا التي تناقش وما زالت تناقش” وتتضمن قضية القيادة. ويقول تامير هايمان الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” إن “ما يجب مناقشته هو الهدف وما الذي تريد إسرائيل تحقيقه”. وأضاف “إذا كنت ترغب في تغيير الوضع الأمني الحالي، فقد تضطر إلى التصرف بشكل مختلف، ولكن عليك أن تتذكر أنه لا يوجد عمل عسكري بدون غلاف سياسي وبدون هدف أوسع”. وأكد أن “أحد أكبر مخاطر عملية واسعة النطاق هو تسريع انهيار السلطة الفلسطينية، مثل هذا الانهيار يتعارض مع مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي لأنه سيؤدي إلى آثار أكثر خطورة للجماعات المسلحة غير المقيدة، وسيؤدي إلى زيادة مسؤولية إسرائيل عن الحياة اليومية للملايين من الفلسطينيين، وسيؤدي إلى انتقادات من المجتمع الدولي”. وأضاف هايمان “بمعنى، حتى لو ذهبنا إلى عملية واسعة، في الطريق إلى اليوم التالي لأبومازن والاضطراب الكبير، فإن تقوية السلطة الفلسطينية وبالتأكيد عدم انهيارها يتماشيان مع المصلحة الأمنية لإسرائيل”.
مشاركة :