تمرّد بريغوجين أطاح بروباغاندا الحرب الروسية على أوكرانيا

  • 6/30/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مضى ما يقارب الأسبوع على التمرّد الذي قام به قائد مرتزقة "فاغنر" الروسية على القيادة في الكرملين يفغيني بريغوجين، وأقلّ من ذلك على انتهاء التمرّد الخاطف الذي أدّى إلى خروج الأخير وجزء من قواته إلى بيلاروسيا، تزامناً مع استعادة الرئيس فلاديمير بوتين والفريق النافذ جداً المحيط به، التحكّم بالوضع على الأرض في روسيا. طبعاً غاب الرئيس بوتين عن الصورة خلال ساعات طويلة يوم السبت الماضي، عندما وصلت طلائع قوات "فاغنر" إلى مسافات قريبة جداً من العاصمة موسكو، التي بدت خلالها مفتقرةً إلى حامية عسكرية قادرة على منع "فاغنر" أقلّه من دخولها. فقيام السلطات المحلية في المناطق التي يمرّ فيها الطريق السريع "إم-4" المؤدي إلى موسكو، بنشر شاحنات وجرّارات زراعية لقطع الطريق، إن دلّ إلى شيء فقد دلّ إلى انعدام وجود قوات عسكرية قادرة أو مستجيبة للدفاع عن موسكو في تلك اللحظة بالذات. وما الإعلان الذي لحق يوم الثلثاء على لسان الرئيس الروسي نفسه، بأنّه سيعمد إلى تزويد قوات "الحرس الوطني" التي أُنشئت حديثاً مقارنةً ببقية القوات والأجهزة الأمنية بقدرات عسكرية كبيرة تضاهي الجيش، أي بمدفعية، ودبابات، وطائرات هليكوبتر، وغيرها من المعدات، لجعلها قادرة على التعامل بفعالية مع التهديدات الداخلية، لاسيما أنّ قوات "الحرس الوطني" تتبع حسب القانون، الرئيس مباشرة وليس وزارة الدفاع أو الأجهزة الأخرى، مما يجعلها أداة عسكرية محلية يتحكّم بها من دون المرور بهرمية الجيش والأجهزة الأمنية والاستخبارية الأخرى التقليدية. ومع أنّ بريغوجين عاد وتراجع، وذهب إلى المنفى، فقد كشف التمرّد عن وجود فجوةٍ كبيرةٍ في قبضة بوتين على الوضع في روسيا، وشكّل هزةً كبيرة سوف يستمر الإستشعار بارتداداتها مرّة بعد مرّة، نظراً للضعف البنيوي الذي يعاني منه حكم الرئيس والمجموعة المحيطة به، التي لا نعرف حتى الآن إن كانت فعلاً هي من تتحكّم ببوتين أم أنّه هو من يتحكّم بها. لكن ما لفت قلّة قليلة من المراقبين، لاسيما في منطقتنا، هو ما قاله يفغيني بريغوجين في ليلة إعلان التمرّد، في فيديو مدّته 30 دقيقة أُذيع على منصّة "تيليغرام " بشكل واسع، تحدّث فيه عن الأعذار التي ساقتها القيادة الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين، لشنّ حرب على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022. فمتجنباً تسمية الرئيس نفسه قال بريغوجين: "لم يكن هناك شيء فوق العادة عشية 24 شباط (فبراير). كل ما في الأمر أنّ وزارة الدفاع كانت تحاول خداع الرئيس والناس، عبر الترويج لرواية مفادها أنّه كانت هناك وتيرة مرتفعة من الاعتداءات من الجانب الأوكراني، وأنّهم يعدّون لشنّ هجوم واسع مع حلف شمال الأطلسي "الناتو". أضاف: "كان بإمكان القيادة الروسية أن تتجنّب الحرب عبر التفاوض مع الرئيس الأوكراني ڤولوديمير زيلنسكي. فبعدما أصبح الأخير رئيساً كان مستعداً لعقد اتفاق. وكل ما كان يهمّ هو النزول من "جبل أولمپ ("شجرة") التصعيد" والتفاوض معه". وتابع معتبراً أنّ الحرب بُنيت على أساس الكذب. قال: "لأي سبب شُنّت الحرب؟ الحرب كان يحتاجها وزير الدفاع سيرغي شويغو لنيل ميدالية الأبطال ومعه اوليغارشيون يحكمون روسيا احتاجوا إلى الحرب، بعدما حقّقوا أرباحاً كبيرة في الدونباس، وأرادوا المزيد في بقية أوكرانيا". وأوضح بلهجته: "هؤلاء المعتوهون قرّروا، وقالوا حسناً سنرمي بضعة آلاف من الجنود طعماً للمدافع، وسيموتون بنبرانها وسنحصل على ما نريد"!. ولعلّ ما يجدر التوقف عنده هو وصفه لحالة القرار الأعلى في البلاد، متجنّباً بالطبع ذكر اسم الرئيس بوتين، وقال: "لا نزال نعيش في عزلة (نسبة إلى عزلة جائحة الكورونا)، لم يلتق أي من أصحاب القرار جنرالات الجيش للحديث عن كيفية تحقيق الانتصار في الحرب. جميعهم يتحادثون عبر الهاتف. ويكذبون على الناس بشأن حجم الخسائر والنكسات في أوكرانيا". وختم قائلاً: "إنّ الجيش الروسي يتراجع في كل اتجاه. ودماء كثيرة تسيل. ما يقولونه هو منتهى الخيبة (بمعنى الكذب) إننا نغسل الدماء عن الأرض"... يقيننا أنّ هذا التسجيل لبريغوجين الذي يُحتمل أن يكون صادقاً إلى حدّ بعيد، على أساس أنّه لا يناقش فلسفة الحرب نفسها، بل يعاين ذرائعها وأسبابها النفعية على مستوى القيادة والاوليغارشية المتحكّمة في الكرملين. فبريغوجين ليس رجل مبادئ، وقطعاً ليس رجل سلام وديبلوماسية، لكن ما ساقه ليلة إعلانه التمرّد، كشف في العمق عن حجم الخطأ الذي ارتكبه الرئيس بوتين بشنّ الحرب على أوكرانيا، والثمن الباهظ الذي تدفعه روسيا جراء ذلك. لكن التمرّد الذي سيدفع بوتين إلى محاولة الاستفادة من دروسه الأمنية لا السياسية، من خلال إعادة توزيع رجاله في المواقع الحسّاسة في الجيش والأجهرة الأمنية، و "تطهير" ما يجب تطهيره فيها لضمان استقرار حكمه وسيطرته مع فريقه اللصيق. مع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أنّه في الأسبوع الأول بعد التمرّد، لم يتمكن بوتين حتى الآن من إقناع أقلّه الخارج، بأنّ روسيا مستقرة، وأنّ كل شيء عاد إلى سابق عهده. في مطلق الأحوال، فإنّ كلام بريغوجين عن الأعذار و البروباغاندا التي ساقها بوتين لشنّ الحرب ومن بينها "نزع النازية" من أوكرانيا، انهارت تماماً، وصار الموضوع مرتبطاً بموازين القوى على الأرض، لا العدالة او الديبلوماسية!

مشاركة :