للشاعر العربي عبدالرزاق الربيعي تجربة ثرية بالمواقف والأحداث والمراحل، بحكم تنقله بين العراق الذي ولد وترعرع فيه، وعمّان، وصنعاء، قبل استقراره في مسقط، وهو ما أفاده كثيراً، سواء في مجال الشعر أو التأليف أو تجارب الحياة، ويعتبر هذا الأمر بمثابة التحدي الأكبر له، حيث كان يبدأ في كل بلد من جديد. وقد أنتج الربيعي العديد من الأعمال الشعرية والسردية والمسرحية، وكتب أيضاً في مجال أدب الطفل. وعن تجربته في التنقل بين عدد من المدن العربية، قال الشاعر العربي عبدالرزاق الربيعي في حوار لـ«الاتحاد»: «أنتمي إلى جيل الثمانينيات الشعري في العراق، جيل عاني الكثير، بداية منذ حرب الخليج الأولى من 1980 وحتى 1988، ولذلك أسمونا (جيل الحرب)، وكنا نظن أن الحرب انتهت، وإذا بحرب الخليج الثانية تفسد ما بقي من أحلام رسمناها، وتزيد واقعنا تشتتاً وتمزقاً وخيبة أمل جعلتنا نحمل حقائبنا ونغادر». وأضاف: «كثيرون من جيلي غادروا إلى أوروبا وكندا وأميركا، أما أنا فتشبثت بالمنطقة العربية، لأنني دائماً أعتبر الشاعر مثل السمكة يسبح في نهر جمهوره العربي ولغته وواقعه، ويشكل زاده الشعري ويمده بهذا الوهج الذي يجعله دائماً مستمراً في الكتابة». أخبار ذات صلة العراق يزرع «غابة مانجروف» لمكافحة تغير المناخ افتتاح ساحات العيد في بغداد بعد 20 عاماً من الإغلاق تحولات النص ويعتبر الربيعي «ولادته» الشعرية الثانية في صنعاء في الدار اليمنية للكتب، على رغم أنه وصلها وفي رصيده مجموعتان «إلحاقاً بالموت السابق» عام 1987، و«حداداً على ما تبقى» 1992، ومجموعتان للصغار «وطن جميل» و«نجمة الليالي»، ومع ذلك بدأ بداية جديدة، ويرى أن هذا هو ما صنع منه شاعراً لا يتوقف عند حد معين، وإنما هناك دائماً تحولات داخل النص، مثل تحولاته وانتقالاته هو في الجغرافيا، وقد انعكست دائماً على إنتاجه الأدبي. وقال الربيعي: «إنني لست من النوع الذي ينفصل عن الواقع ويلوذ بظل الكلمات، وإنما يحتدم بالواقع ويدخل إليه ويمد أغصانه وجذوره ويشتبك به إلى أن ينتقل إلى حالة إبداعية جديدة». ويضيف: «ثم بعد أربع سنوات انتقلت إلى مسقط، وبدأت ولادة أدبية جديدة أخرى، ومع وجود رصيد من العلاقات الاجتماعية والثقافية والأدبية والخبرات الإنسانية والحياتية والإنتاج الشعري والمسرحي والنشاط الإعلامي، لا يبقيك كثيراً عند الصفر لتنطلق مجدداً، والحمد لله أصبحت لدىّ 3 مجلدات ضمت 19 ديواناً ومسرحية شعرية، وفي المسرح لي مجلدان يضمان مسرحيات للكبار والصغار على حد سواء». مساحة أمل وعن مقولته التي يرددها دائماً «لا مفر لنا سوى الشعر في عالم متوحش»! يقول الربيعي: «بعد كل هذه الصراعات مما يطحن الإنسان العربي، فعالمنا المعاصر تكاد تحكمه النزاعات والصراعات، فلا نجد ملاذاً غير الفن والشعر والجمال هو الذي يخرجنا من هذه الحالات التي تحيط بنا وتستلب قدرتنا على إنتاج واقع جديد، وتبقى للفن مساحة جديدة للأمل إذا أغلقت كل الأبواب، حيث يفتح لنا النوافذ لحياة جديدة.. فالإنسان عندما يضيق بالواقع يبحث عن منافذ للخروج من حالته قد يجدها في مقطوعة موسيقية أو قصيدة أو أغنية. وفي حالات الضيق الشديدة ألجأ للشعر وأجد رأساً تتفتح وتكسر جبال الحزن التي قد تجثم على صدري». لون شعري وعما إذا كان يميل إلى لون شعري تحديداً دون آخر، قال الشاعر العراقي إنه يكتب الألوان الشعرية الثلاثة، النثر والتفعيلة والعمودي، ولا يهمه قالب القصيدة، ولكن مدى تأثيرها في نفس المتلقي. ويرى أن قصيدة النثر منجز كبير في الشعر الحديث، على اعتبار أن الشاعر حين يكتبها يحلق في فضاءات واسعة، وأن القصيدة العمودية أشبه بالسير على طريق مرسوم الخطوط، فيما قصيدة النثر أشبه بالسير في صحراء مجهولة. وعن حرصه على المزاوجة بين الشعر ومسرح الطفل، أوضح أنه بدأ في دار ثقافة الأطفال في بغداد عام 1980، قبل تراجع مجلات وكتب الأطفال التي تحتاج إلى إنتاجية عالية ودعم من الحكومات، وهو ما جعله على رغم تجاوزه الستين يعنون ديوانه الأخير بـ«شياطين طفل الستين»، وقال إن الشعر ممارسة طفولية، وشغب لغوي، ودهشة ونظرة بريئة للعالم، وأسئلة حائرة، وكل ما يفعله الشاعر هو أنه ينهل من مخزون طفولته، حيث إن تأثيراتها لا تفارقه. الشغف الأول وأشار الربيعي إلى أن المسرح هو شغفه الأول، وكان يراوح بينه وبين الشعر ولم يجد تناقضاً أو مسافات بعيدة بينهما، خصوصاً أنهما يتشابهان في الصلة بالجمهور، فالمسرح خشبة ونص وجمهور، والشعر منصة ونص ومتلقون، والعلاقة بينهما قديمة تعود إلى بدايات ظهور المسرح الإغريقي على يد أسيخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس وجميعهم شعراء، فهما يصبان في نهر واحد، نهر الجمال والتواصل مع الآخر، ولذلك اقتصرت كتاباته على المسرح الموازي للشعر. وعن مسرحيته «رأس خارج القانون» التي مثلت سلطنة عُمان في مهرجان «آفاق» المسرحي في القاهرة قبل عامين، قال إنها تنتمي إلى المونودراما، ودارت حول معاناة امرأة تنتظر الذي يأتي ولا يأتي، في ظروف ملتبسة يعيشها العالم العربي، وتستدعي رموزاً ولحظات ومواقف عاشتها وأخرى من الحياة، وهي المرة الأولى التي يقدم فيها عرض عُماني على مسرح الهناجر بالقاهرة، وكذلك مسرحية «حلاق للإيجار» التي عرضت على مسرح قطر الوطني وفازت بجائزة أفضل كلمات أغانٍ.
مشاركة :