الحكم بنجاح التجربة أو فشلها أمر نسبي تتجاذبه أدوات شتى، ومقاييس مختلفة من شخص لآخر، تعززه الاحتياجات الحقيقية أو مجرد الترف العاطفي المحض، وبين هذا وذاك قصص، وأحاديث حول «زواج المسيار» لا يمل تناقلها المتزوجون في ملتقياتهم الوظيفية، وخارجها بل أضحت حديث العزاب الذين انتقلت إليهم عدوى الزواج دون قروض أو التزامات مالية، فكانت موجة تبادل أرقام المروجين له من الجنسين أو الاندفاع لحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي رغم وهمية الكثير منها، واستغلالية البعض لها ظاهرة اجتماعية تستحق تجليتها وإبرازها بمفهومها الحقيقي بعيداً عن ربطها بعقود أخرى لا خلاف حول حرمتها كالمتعة. ويبقى التكتم الشديد هو السمة الأبرز لمن يقدم على هذا النوع من الزواج خشية تسرب الخبر للزوجة الرافضة لفكرة التعدد، والتي ستقلب موازين الأسرة، وتترك الأطفال، وتحمل الرجل تبعات جموحة من مسؤوليات ينوء بحملها لاسيما من اعتاد برنامجاً مفتوحاً بين الوظيفة والنوم والاستراحات. وتختلف الآراء حول «المسيار» بين شرعيين يجيزونه حال توافر الشروط والأركان، وانتفاء الموانع ويرونه دون الأولى، ونفسانيين يرفضونه ويصفونه بالاستغلال المهيأ للانحراف، وقانونيين يؤيدونه وفق اعتبارات أهمها حفظ حقوق المرأة. ورقة الطلاق عربون عودة الزوجة الأولى المواطن «أبو ماهر» تزوج مسياراً من فتاة في مقتبل العمر لم تتجاوز العشرين من إحدى الجاليات العربية المقيمة في منطقته قدم مبلغاً مالياً للوسيط «ألفي ريال» الذي أقنع والد الفتاة، وأتم له مراسم الزواج، وعقد له النكاح، ودون تنازلها عن جملة من حقوقها كالمبيت ماعدا المهر المتواضع الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف ريال، وتأثيث غرفة لها داخل منزل أسرتها المستأجر، وكان الدخول عقب وليمة لم يتجاوز حضورها أصابع اليد الواحدة جاءت بعد العقد مباشرة، ومع سهولة التكاليف وتقبله للفتاة إلا أن خوفه من انكشاف أمره عند زوجته ظل هاجساً يلازمه جعله يلزم الأخرى بتناول موانع الحمل، وتغيير مواعيد اللقاء في فترات مختلفة من اليوم، مع اختلاق الأعذار للأولى كلما لاحظت وأحست بطول الغياب، فتارة مريض أو أن حالته النفسية لا تسمح له وفي نهاية المطاف لم يجد بداً من إنهاء العلاقة بعد أن أصبح شك الأولى يقيناً، وهي تهيئ ملابسه للغسيل وتجد بعض المساحيق التجميلية عليها لتترك المنزل وتذهب مشتاطة من الغضب إلى بيت أهلها دون أن تصطحب أحداً من أطفالها الثلاث، فما كان منه أمام تأزم العلاقة سوى الدفع بسلسلة من الوساطات بزعامة شقيقها انتهت بتقديم ورقة طلاق المسيار عربونا لعودتها! مسيار ناجح لأكثر من خمس سنوات أما المواطن «أبو فيصل» 35 عاماً متزوج ولديه طفلان، فما زالت زوجته المسيار على ذمته بعد مضي خمس سنوات من زواجهما، وهي موظفة ومقتدرة في السادسة والأربعين من عمرها، قبلت هذا الزواج لأنها لم تجد بديلاً عنه بعد تجربة أولى غير ناجحة انتهت بطلاقها عندما كانت في الثلاثين من عمرها - هكذا تحدث عنها - مؤكداً أن ما دفعه للزواج بمن تكبره هو حاجته لأكثر من زوجة وعدم استطاعته دفع أي مبلغ مالي فالمرتب بسيط، وضروريات الحياة أكبر منه بكثير، مشيداً بوقوفها لجانبه ومساعدته في تسديد جزء كبير من ديونه. وافقت لأني مقتدرة ولا أريد سوى الستر وحكت «أم أحمد» - ثلاثينية مطلقة وأم لطفلين تسكن مع والدتها – تجربتها مع «المسيار» فقالت: عرضت علي إحدى الخاطبات شخصاً تتناسب ظروفه تماما مع ظروفي، فتم التعارف في منزلنا، والتفاهم على كل شيء، عقب ذلك تم عقد النكاح وتنازلت بإرادتي عن حقي في المبيت والنفقة والسكن كوني مقتدرة والحمد لله وتحتاجني والدتي الكبيرة في السن إلى جوارها، ولأن زوجي يسكن في مدينة أخرى فإني ألتقي به خلال الشهر ثلاث أو أربع مرات، تارة يقدم لمنزلي نهاية الأسبوع، وأخرى أسافر له بالطائرة، ونمضي يوماً أو يومين كحد أقصى في أحد الفنادق بمنطقته حسب التزاماتنا. وقالت أم أحمد: «المسيار» في تقديري لا يكون إلا في ظروف خاصة، ولا يغني أبداً عن الزواج التقليدي خصوصا الفتيات اللاتي لم يسبق لهن الزواج، أما المطلقات أو الأرامل ومن في حكمهن كالمرأة العقيم أو التي لا تجد وقتاً لالتزام أسري كامل بسبب انهماكها في أعمال أو أبحاث أو وظيفة تستنفد وقتها، فهو حل مثالي إذا حرصت على قبول الرجل الكفء. وحول معرفة الزوجة الأولى بها قالت: اتفقنا أن يكون الإشهار خاصا بعدد بسيط من المحيطين بي من العائلة أما زوجته وأسرته فلا، وأنا لا أسعى إلى الإنجاب ولا أريد سوى الستر. مرفوض نفسياً من جهته رفض د. حسن ثاني - أستاذ علم النفس المشارك بجامعة طيبة - هذا النوع من الزواج ووصفه بالانحراف بطريقة شرعية، لأنه لا يحقق الهدف الأعظم منه وهو بناء الأسرة والمودة والرحمة، وقال: كيف ستنشأ هذه المودة في علاقة غير مستديمة أو مستقرة مكتوب عليها الفشل، لا تعدو كونها علاقة جسدية محضة، علينا أن نفكر جيداً بما يترتب على هذا النوع من الزواج، فعندما يأتي أطفال لا يجدون أمامهم الأب، سوى زائر يأتي للحظات، كيف تكون حياتهم وتربيتهم، هذا الزواج سبب رئيس للتفكك الاجتماعي رغم محدودية المقبلين عليه. وأضاف: المسيار استغلال من قبل أحد الطرفين للآخر، لاسيما إن كانت الضحية فتاة فهي ستقبل من أجل ظروفها المعيشية أو الاستفادة من مكانة الطرف الأول مادياً أو وظيفياً أو اجتماعياً، ومن الجانب النفسي فهو مرفوض تماماً فهل سيقبل أحد بمن يطرق بابه للزواج بابنته أو شقيقته «مسياراً»! لافتاً إلى أنه يخشى أن تندفع الفتاة نحو الانحراف وإيجاد علاقة أخرى بديلة متى ما أحست بالفراغ العاطفي. النتائج الاجتماعية من جهته شدد د. عمر الخولي - المستشار الحقوقي وأستاذ القانون - على أن المسيار زواج شرعي مكتمل الأركان، ولا مأخذ عليه سوى بعض النتائج الاجتماعية المترتبة، فهو يتم بسرية دون إشهار كامل مما يتسبب في تأخر وصول حقوق وميراث «الزوجة المسيار» عند وفاة الزوج لأن أسرته لا تعلم شيئا عن وجود زوجة أو أبناء، فيفاجأوا بوثائق وإثباتات. وقال: لننظر دائماً إلى الجانب المضيء فهذا الزواج أوجد متنفساً للرجال الذين يريدون الحفاظ على الزوجة الأولى الرافضة للتعدد، حيث يأتي لزوجته الأخرى من حين لآخر حسب ما يتفقان عليه يخرجان سويا ويقضيان وقتاً معاً ثم يعود للزوجة الأولى ولأبنائه متجدداً وبنفسية سعيدة، مشيراً إلى أن هناك الآلاف من الفتيات يتمنين هذا النوع من الزواج لاسيما من سبق لهن الزواج وطلقن أو ترملن، بعكس الصغيرات في السن اللاتي يحلمن ببيت مستقل، وأطفال، وفارس أحلام لن يكون بالتأكيد «زوج المسيار» المرتبط بظروف لا تعطيه وقتا طويلا لإسعادها. وقال: الفتاة التي تحتاج هذا النوع من الزواج تتنازل بمحض إرادتها عن جزء من حقوقها مقابل الحياة في كنف رجل، وفي هذا حماية لها من الانزلاق إلى المحرمات مع وجود التقنية، ومواقع التواصل، والتطبيقات التي تنشر الرذيلة أكثر من الفضيلة، وعن تأييده لهذا النوع من الزواج، قال: رأيي موضوعي ينطلق من خبراتي القانونية وعلاقاتي الوظيفية والاجتماعية وتعمقي في هذا النوع من الزواجات فكل يوم أستقبل استفسارات واستشارات، حول إثبات الزوجية، والتحصل على الحقوق المالية، والقنوات والإجراءات التي يجب سلوكها، ومن ذلك أيضا إذا انتهت بطاقة المتزوجة مسياراً وأرادت تجديدها فهل تذكر أنها متزوجة حاليا أو مطلقة من زوجها السابق، وهل يعد ذلك تزويراً؟ وهل يشملها قرار استخراج بطاقة عائلية تضيف فيها أبناءها مجيباً بأنه يجب عليها أن تذكر وضعها الحالي عند التجديد، أما فيما يخص البطاقة العائلية فإن من يتقدم بالطلب هو زوجها وليست هي. عقود الزواج المستحدثة وقال د.عبدالرحمن الردادي -أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية-: شرع الله الزواج لأهداف متعددة، منها: تكاثر النسل، وتحقيق العفاف، وصون الإنسان عن الوقوع في الفواحش والمحرّمات، ومنها التعاون بين الرجل والمرأة على شؤون العيش وظروف الحياة والمؤانسة، ومنها إيجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، ومنها تربية الأولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف. قال الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة الروم/21 . وأضاف: في السنوات الأخيرة انتشرت بعض عقود الزواج المستحدثة، وهذه العقود وإن اختلفت أسماؤها وأوصافها وصورها، لا بد أن تخضع لقواعد الشريعة وضوابطها المقررة، من توافر الأركان والشروط المعتبرة شرعاً، وهي: وجود الولي، ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» رواه البخاري ومسلم، ومما انتشر بين الناس ما يسميه الناس: «زواج المسيار» وهذه التسمية جاءت في كلام العامة، تمييزاً له عما تعارف عليه الناس في الزواج العادي، لأن الزوجة تتنازل فيه عن السكن والنفقة والقسم، أو بعض منها، وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت اتفقا عليه. وقال: هذا العقد وأمثاله صحيح إذا توافرت فيه أركان الزواج وشروطه المعتبرة شرعاً، ومما ينبغي التأكيد عليه أنه لا بد من إعلان النكاح مع الاعتراف بها كزوجة، ولأولاده منها حقوق الأبوة عليه، أما تنازل الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها، مثل النفقة والمبيت عندها، فإنه لا يبطل العقد؛ لأن من حق المرأة أن تتنازل عن حقوقها أو بعضها المُقَرَّرة لها شرعًا، ومنها النفقة والمسكن والقَسْم في المَبيت ليلاً، وقد ورد في الصحيحين أن سَودة وَهَبَتْ يومَها لعائشة رضي الله عنهما، ولو كان هذا غيرَ جائز شرعًا لَمَا أقره الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل شرط لا يُؤثر في الغرض الجوهريّ، والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يخِلُّ بعقد الزواج ولا يبطله. وشدد الردادي على أنه ينبغي أن يعلم أن هذه الصورة من النكاح ليست هي الصورة المثلى المنشودة والمطلوبة من الزواج؛ لأنها تفتقر إلى تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج من السكن النفسي، ومتابعة الزوجة والأولاد، ورعايتهم الرعاية الشرعية، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.. « رواه البخاري ومسلم، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة أنه عقد صحيح لكنه خلاف الأولى.
مشاركة :