بنغازي (ليبيا) – أكد قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، الاثنين أن قواته ستمنح مهلة أقصاها نهاية شهر أغسطس القادم للتوزيع العادل للثروة النفطية في ليبيا، ملوّحا بالتصعيد العسكري في حال عدم التنفيذ، وهو مؤشر على أن الصراع على عائدات النفط الذي عاد إلى الواجهة مؤخرا قد يكبح توافقات مبدئية للمضي قدما في إجراء الانتخابات. ويأتي تلويح قائد الجيش الليبي بالتصعيد، بعد نحو أسبوعين من تهديد أسامة حماد، رئيس الحكومة الموازية المعينة من البرلمان، الذي اشتكى من عدم التوزيع "العادل لعائدات النفط" بوقف تدفقات النفط والغاز الليبيين والتصدير كذلك، وإعلان القوة القاهرة، وذلك احتجاجا على ما وصفه بـ"تمكين مؤسسة النفط حكومة طرابلس من الاستحواذ على الإيرادات النفطية بشكل غير قانوني". وتدار عائدات النفط، المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا، من قبل المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي الليبي ومقرهما العاصمة طرابلس، حيث يقع مقر حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بقيادة عبدالحميد الدبيبة. وقال حفتر في كلمة متلفزة بثتها قناة "ليبيا الحدث" من بنغازي في شرق ليبيا "تلقينا مئات المذكرات من أبناء الشعب الليبي يطالبون بتشكيل لجنة عليا للترتيبات المالية، تضم شخصيات مالية وقانونية قادرة على إدارة المال العام بطريقة عادلة"، مؤكدا بأنه سيتم "منح مهلة لإنجاز اللجنة أعمالها نهاية أغسطس القادم". ولفت حفتر بأنه في حال تعذر انطلاق عمل اللجنة، فإن الليبيون سيكونون في "الموعد للمطالبة في حقوقهم المشروعة من ثروات النفط"، منوها بأن "القوات المسلحة ستكون على أهبة الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها في الوقت المحدد"، في إشارة لتدخل محتمل لقواته في موضوع توزيع الثروة النفطية. ووجّه قائد الجيش الليبي انتقادات حادة للسلطات المسؤولة في العاصمة طرابلس، وتحدّث عن كارثة مالية واقتصادية ونهب للمال العام وعجز للأجهزة الرقابية، مؤكدا أن هذا الوضع يجعل الحاجة ملّحة لاتخاذ خطوات عملية لتوزيع عائدات النفط بشكل عادل. واتهم حفتر، المصرف المركزي في طرابلس بـ"ارتكاب جرائم في الاعتمادات المستندية"، مستشهداً ببيانات البنك المركزي وتقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية في طرابلس. وقال إن بيانات المصرف المركزي تفيد بأن الاعتمادات المستندية لعام 2022 جرى توزيعها على 1646 شركة، كان نصيب المنطقة الشرقية 7 بالمئة، ولم تتحصل المنطقة الجنوبية إلا على 2 بالمئة من مجموع هذه الاعتمادات. وأضاف أن تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية في طرابلس تشير إلى أن هناك عبثا بمقدرات الشعب الليبي بأكثر من 200 مليار دينار دون أي استفادة للشعب الليبي، مشددا على أنه لا يمكن السكوت عن هذه التصرفات غير المسؤولة. وهاجم قائد الجيش الوطني الليبي السفراء الغربيين واتهمهم بالتدخل السلبي في الأزمة الليبية، مطالبا إياهم بكف التدخل في الشؤون الداخلية. وقال في هذا الصدد "نشير إلى تطاول سفراء بعض الدول الأجنبية وفي مقدمتهم نورلاند(...)، هؤلاء أثبتوا فشلهم الذريع في تحقيق نتيجة تساهم في حل الأزمة الليبية بقدر مساهمتهم في تعميق الخلافات بين الليبيين"، في إشارة إلى المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند. وفي رسالة نُشرت نهاية شهر يونيو على حساب السفارة الأميركية على تويتر، حثّ نورلاند الجهات السياسية الليبية على "الكف عن تهديدات الحصار النفطي الذي سيكون ضارًا للغاية بالاقتصاد الليبي وبكل الليبيين". وللرد على الشكاوى بشأن تقاسم عائدات النفط، شجع نورلاند على "إنشاء آلية شاملة لإدارة الإيرادات" بطريقة شفافة تحافظ على الطبيعة "غير السياسية" لمؤسسة النفط، وهو اقتراح يطفو على السطح كلما احتدت المعسكرات المتنافسة على حصص عائدات النفط. لكن تعليقات السفير الأميركي قوبلت بشكل سلبي من قبل الفاعلين السياسيين في شرق البلاد، بما في ذلك أول المعنيين أسامة حماد رئيس الحكومة الموازية الذي "نصح" نورلاند بـ"احترام سيادة القضاء" في ليبيا و "الامتناع عن أي تدخل". وقد طالب المشير حفتر أمام حشد كبير يمثلهم أبرز قادة قواته العسكريين، من السفراء الغربيين "الابتعاد عن حشر أنوفهم في الشأن الليبي". ومضى في حديثه قائلا "لا يحتاج شعبنا إلى دروس ومواعظ، لأن حلّ الازمة ليبي - ليبي خالص، وأثبتت السنوات الماضية فقدان سفراء هذه الدول أي رؤية لمساعدة الليبيين في حل أزمتهم، لأنهم مختلفون وتقاطعت مصلحتهم في ليبيا وأصبحنا الضحية ومن ندفع الثمن". وتابع قائلا "نقول لهم مهما اختلف الليبيون سيتفقون بعيدا عن تدخلاتكم المرفوضة". وأكد حفتر أن "الحل في ليبيا يكمن في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية"، مطالبا بضرورة اخراج كافة القوات الأجنبية والمقاتلين المرتزقة من البلاد تنفيذاً "لقرارات مجلس الأمن وأعمال لجنة 5+5 العسكرية الليبية المشتركة". ومنذ مارس 2022 يدور في ليبيا صراع على السلطة التنفيذية بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والتي يرأسها الدبيبة وتسيطر على العاصمة ومؤسسة النفط والبنك المركزي، والأخرى المكلفة من مجلس النواب والتي يرأسها حماد. ويعتمد الاقتصاد الليبي بشكل كلي على الصادرات النفطية المقدرة في الفترة الأخيرة بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، بينما يذهب أغلب الغاز لإنتاج الطاقة محليا، وتسعى حكومة طرابلس لزيادة إنتاجه، خاصة بعد توقيع اتفاقية مع “إيني” الإيطالية للاستثمار في حقلين بحريين. وتواجه ليبيا أزمة سياسية منذ العام الماضي عندما رفض البرلمان تفويض حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة الدبيبة في طرابلس، وكلف بتشكيل حكومة جديدة لم تتمكن من تولي زمام الأمور في العاصمة، وتم مؤخرا الإطاحة برئيسها فتحي باشاغا، وتعيين حماد خلفا له. وتعد مسألة التوزيع العادل لإيرادات النفط الليبي إحدى الأزمات في البلاد، حيث تتنازع الحكومة المعينة من مجلس النواب مع حكومة الدبيبة للسيطرة على هذه الإيرادات. وتستحوذ الحكومة المعينة من مجلس النواب على أكثر من 65 في المئة من إنتاج ليبيا من النفط، وسيكون لأي حظر لتدفق النفط تأثيرات سلبية على الاقتصاد الليبي في ظل وضع معيشي مأزوم لا يحتمل أي أزمات جديدة. ويرى مراقبون أن عودة الصراع على عائدات النفط ترجع إلى خشية بعض الأطراف وعلى رأسها مجلس النواب من توظيف الدبيبة لتلك العائدات لأغراض انتخابية، حيث أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يتطلع إلى المشاركة في الاستحقاق في حال جرى حسمه. ويشيع فرض الحصار على النفط في ليبيا منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتي أدت إلى سنوات من الحرب والفوضى، إذ تقطع الجماعات المحلية والفصائل الرئيسية الإمدادات في إطار التكتيكات السياسية للضغط على الطرف المقابل. وأنهي آخر حصار كبير قاده الجيش الليبي في العام الماضي عندما عينت حكومة طرابلس رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط قيل إنه مقرب من قائد الجيش المشير خليفة حفتر. وترعى الأمم المتحدة حوارا اقتصاديا بين الليبيين بهدف توحيد المؤسسات الاقتصادية المنقسمة وإيجاد خطة للتوزيع العادل لإيرادات النفط التي تعتمد عليها البلاد بشكل كلي في نفقاتها. وجرى تعطيل تصدير النفط من ليبيا أكثر من مرة منذ عام 2011، حيث تبادر جماعات محلية وفصائل رئيسية إلى قطع الإمدادات في إطار التكتيكات السياسية. وفي صيف العام الماضي أغلقت حقول وموانئ للنفط في البلاد لمدة 3 أشهر على يد مجموعات قبلية كانت تطالب بتغيير رئيس مؤسسة النفط السابق مصطفى صنع الله. وتركز الجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل دائم للصراع في ليبيا على التحرك نحو انتخابات وطنية، وهو هدف تعلن جميع الأطراف تبنّيه، لكنه تعرض لإحباطات متكررة بسبب خلافات حول قواعد الانتخابات والسيطرة المؤقتة على الحكومة.
مشاركة :