يوم الأحد الماضي، دفع الجيش الإسرائيلي بآلاف من قوات النخبة والأمن الداخلي والمستعربين، وكتيبة كلاب ومئات الآليات والجرافات وطائرات الهليوكبتر والطائرات المسيّرة، لاقتحام مخيّم جنين في الضفة الغربية المحتلة. هذه القوة الكبيرة، تكفي لشن حرب ضد دولة أخرى، ولكنها هذه المرة شنتها الحكومة الإسرائيلية الدينية الصهيونية ضد مخيم لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع! هذه الحكومة أعطت جيشها حرية العمل بالكامل، لتعيث في المخيم دمارًا وتخريبًا وفي أهله قتلاً وإرهابًا وتشريدًا. لكن هذا "الجيش الذي لا يقهر" كان مجرد فقاعة فارغة أمام حفنة من المقاتلين المدافعين عن المخيم. هذه العملية، وصفت بأنها الأوسع منذ عشرين سنة، عندما اقتحم الجيش هذا المخيم الصغير وقُتل ثلاثون من أفراده، وقد جاءت وفقًا لمزاعم حكومة تل أبيب لملاحقة مسلحين فلسطينيين مقاومين للاحتلال المستمر منذ عام 1967. لكن مراقبين كثيرين، حتى من داخل إسرائيل نفسها، يرون بأن بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحاكمة بتهم الرشوة وخيانة الأمانة، أراد منها الهروب إلى الخارج، وإلهاء مواطنيه اليهود عن قضيته وإرضاءً لليمين الصهيوني المطالب بإبادة الشعب الفلسطيني وتدمير مدنه وقراه، لتفريغ الأراضي الفلسطينينة من سكانها وإعطائها للمستوطنين اليهود القادمين من مختلف أصقاع العالم، بزعم أن هذه الأراضي "توراتية" و"وقف" يهودي. يبدو من نافلة القول، إن هذه العملية دليل آخر على وحشية هؤلاء المحتلين، الذين لا يمكن وصفهم بأنهم من البشر، فهم يرفضون تقبُّل الآخر والعيش معه وخاصة مع الشعب الفلسطيني، لأن وجوده يذكّرهم دائمًا بجريمتهم في حق هذا الشعب الذي شرّدوا مئات الآلاف منه من أرضهم، قبل أكثر من سبعين عامًا.تُعدُّ هذه العملية نسخة أخرى من التاريخ الحديث، لإنشاء هذا الكيان حيث كانت البدايات سلسلة من المجازر ضد القرى الفلسطينية، لبث الذعر بين سكان القرى الأخرى وإجبارهم على الهروب طلبًا للنجاة من العصابات اليهودية الإرهابية. وطوال أكثر من سبعة عقود، رفضت حكومات إسرائيل كل دعوات السلام، وكان توقيعها لبعض الاتفاقيات مع بعض الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية، مجرد لعبة لكسب الوقت وابتلاع المزيد من الأراضي. وطوال هذه المدة خدعت إسرائيل العالم بالزعم بأنها دولة صغيرة مسالمة، وبأن العرب يريدون القضاء عليها لأنها "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط. "إسرائيل تريد السلام، لكن العرب لا يريدون ذلك"، هكذا يقول الإسرائيليون دائمًا، وهم في الحقيقة ناقضون للعهود والمواثيق، منذ أيام بني قريضة ويهود خيبر. ومع ذلك يطالبون بالتطبيع مع الدول العربية، التي ترفضهم ومنها المملكة التي ترفض قيادتها مصافحة هذه اليد السارقة، والملوثة بالدم العربي. إنهم يكذبون ولو حلفوا عند أستار الكعبة! وإذا لم تصدّق فإليك هذه الحكاية التي أوردها الكاتب الأمريكي آرثر بتز في كتابه" كذبة القرن العشرين- تفنيد مزاعم إبادة يهود أوروبا" Arther R. Butz, the Hoax of the Twentieth Century- The case against the presumed extermination of European Jewry, Institute of Historical Review,1975). تقول الحكاية الواردة في التلمود، إن عدد اليهود الذين قتلهم الإمبراطور الروماني هدريان في مدينة الاسكندرية في القرن الثاني الميلادي بلغ مليون ومئتي ألف! بينما تقول أكثر الروايات مبالغة أن عدد سكان المدينة آنذلك لم يزد عن نصف مليون نسمة. هذه واحدة من أكاذيب اليهودية الصهيونية، التي لا تُعد ولا تحصى وإذا ما كذّبتها فإنك توصم بمعاداة السامية! أي معاداة اليهود. أما معاداة العرب والمسلمين فحدّث ولا حرج، وكذلك تدنيس قرآنهم والإساءة إلى نبيهم، مثلما يحدث في بعض الدول الغربية، والتي كان آخرها حرق المصحف الشريف في السويد، ما دفع بوزارة خارجيتنا إلى استدعاء السفيرة السويدية، والاحتياج ضد هذا العمل المشين بأشد العبارات، وربما التهديد بقطع العلاقات إذا ما تكرر هذا الفعل الدنيء. في ردود الفعل الغربية على على حصار مخيم جنين، تجلى النفاق الغربي على أوضح ما يكون، فالولايات المتحدة وبريطانيا، مثلاً، دافعتا عن حق إسرائيل "المسكينة" في الدفاع عن نفسها، وواشنطن وافقت على صفقة جديدة من طائرات إف-35 لتضاف إلى ترسانة الحرب الإسرائيلية، وهي الطائرات التي ترفض الإدارة الأمريكية بيعها لمن تعتبرهم أصدقاء مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة، اللتين ترتبطان بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وهذه الدول التي تكيل بمكيالين، لا تتأخر في إدانة أي عملية يقوم بها مواطن فلسطيني ضد المحتلين والمستوطنين. قيادة المملكة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، تؤكد مرارًا وتكرارًا، أنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل ما لم ينتهي الاحتلال، وينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وهذا ما أكد عليه بيان قمة جامعة الدول الغربية الذي استضافته المملكة مؤخرًا. وضمن هذا السياق، أعربت وزارة خارجيتنا عن إدانة المملكة واستنكارها لاقتحام القوات الإسرائيلية مخيم جنين، ورفضها التام لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي، من انتهاكات خطيرة بحق الشعب الفلسطيني، وهذا ما يؤكد موقف المملكة الثابت في الوقوف إلى جانب هذا الشعب والدفاع عن قضيته حتى لو تخلى عنه الآخرون المخدوعون بالوعود والأكاذيب الصهيونية. .
مشاركة :