تحدي القراءة العربي.. إحياء إرادة الإنسان

  • 7/9/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إحياء الشخصية العربية والإعلاء من شأن هذه الأمة هو واحد من الأهداف المركزية في فكر وشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وقد عبر عن هذه الرغبة النبيلة في فاتحة كتابه المتميز «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، حيث قال: «سألني أحد الصحافيين ونحن في العشر الأواخر من رمضان: لو من الله عليك برؤية ليلة القدر فماذا كنت ستتمنى ؟ أردت القول- والكلام لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: كنت أتمنى أن يُعلي ربي القدير شأن الإمارات ويعز شعبها ويزيد خيرها، لكنني استوقفت نفسي لحظة، وفكرت لحظات وقلت: لو أنني تمنيت كل هذا وأكثر منه لكل الأمة العربية فهل كنت سأحرم شعبي من أمنيتي وهو الجزء الإماراتي الألصق بالقلب من الكل العربي الذي يعيش فيه؟». ولأن سموه من رجال القول والفعل فلم يترك هذه الأمنية مجرد هاجس في النفس، بل أخرجها إلى حيز الفعل في كثير من مبادراته العظيمة الدالة على عمق إحساسه بالمسؤولية الأخلاقية والحضارية تجاه أمته، التي تكافح من أجل الرجوع إلى المشهد الحضاري، والتي كانت ذات يوم هي صاحبة الكلمة العُليا فيه، قبل أن تأفل شمس شهودها، وتصبح في منزلة الآخذ بعد أن أعطت للإنسانية طيلة ثمانية قرون من كف سخية، تشهد لها بعظمتها الحضارية، وإسهامها الراقي الجليل. في هذا السياق من اهتمامات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تأتي مبادرة تحدي القراءة العربي، التي أطلقها عام 2015م، من أجل إعادة الهيبة للغة العربية، وإحياء تقاليد القراءة في أمة كانت الكلمة الأولى في صنع مجدها وتاريخها وشهودها الحضاري هي كلمة «اقرأ». حيث شهدت هذه المبادرة حضوراً عربياً كثيفاً يدل على عمق حضورها في الوجدان العربي، ومدى ما تحظى به من دعم واحترام تحقيقاً لرؤية صاحب السمو في إنشاء جيل يحترم ثقافته، ويحمل رؤية ذاتية لشخصيته، من خلال تنمية هذه العادة، التي هي من سمات الشعوب المتحضرة، والأمم الراقية. تعجز الكلمات عن وصف مشاعر صاحب السمو، الذي احتفى بالإنجاز الإماراتي في هذا المجال، حيث كتب كلمة فخمة على حسابه في «تويتر» تحمل أرقى مشاعر الفخر والاعتزاز والدعم للطلبة، الذين حققوا إنجازات باهرة على الرغم من ظروفهم الشخصية الصعبة، لكن إرادتهم القوية وعزيمتهم الباهرة جعلتهم يتجاوزون هذه الظروف، ويحققون هذا المجد الشخصي، الذي هو من مفاخر هذا الوطن الكبير بأبنائه وقيادته. «احتفلت واحتفت دولة الإمارات اليوم بـ 514 ألف طالب من مدارس الدولة شاركوا في تحدي القراءة العربي، والذي بلغت مشاركاته العربية والعالمية 24.8 مليون طالب».. بهذه العبارة المفعمة بمشاعر الفخر احتفى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بهذا اليوم الاستثنائي في مسيرة شباب الوطن، حيث تحتفي الدولة وتحتفل بأبنائها وترعى طاقاتهم، وتأخذ بأيديهم، وتعزز رؤيتهم الإيجابية لأنفسهم وإمكاناتهم، وهي إذ تحتفي بهم فليس عددهم بالعدد القليل. فالعدد قد تجاوز نصف مليون مشارك من مدارس الدولة، وهذا عدد يحمل دلالة في غاية الإيجابية، وهو كالبشارة باستمرار وتيرة النجاح في هذه المبادرة المتميزة من مبادرات سموه، التي تحظى بنوع خاص من الألق والتميز، بسبب الرعاية المباشرة من لدن صاحب السمو لهذه المبادرات، التي تنهض بالإنسان، وتعيد إليه الإحساس بالذات الواعية، فلا عجب أن يقترب عدد المشاركين في تحدي القراءة العربي من خمسة وعشرين مليوناً على المستوى العربي والعالمي. «فخور بمشاركة أبناء الإمارات، ومتفائل بإقبال الجيل الجديد على القراءة، ومطمئن على مستقبل بلادنا في أيدي جيل يحب التعلم والمعرفة ويعشق القراءة والاطلاع»، في هذا الجزء من «تدوينة» صاحب السمو يتجلى الإحساس العميق بالفخر بالمشاركة المتميزة لأبناء الإمارات في هذه المبادرة المتميزة، حيث ازداد العدد بقوة في هذا العام، وهذه الظاهرة تنشر روح التفاؤل، بحسب عبارة صاحب السمو. فهي ذات دلالة على التحولات الإيجابية داخل الشخصية الوطنية، حيث يزداد الإقبال على القراءة، لأن في ذلك إشارة عميقة الأهمية هي أن الأجيال المثقفة ستكون هي المسؤولة عن مواصلة مسيرة البناء للوطن الغالي، فالأجيال المثقفة هي الأقدر على قيادة الوطن. وهذا يمنح شعوراً بالطمأنينة لأن مستقبل الوطن سيكون في الأيدي الأمينة، فالمعرفة قوة، والقراءة هي الوسيلة الكبرى والمأمونة في تحصيل هذه القوة، ولم تتقدم أمة من الأمم إلا بإقبال أبنائها على طلب العلم والمعرفة فكيف إذا وصل ذلك إلى حدود الحب والعشق. «أبارك للطالبة الأولى آمنة محمد المنصوري ولأهلها فوزها بالمركز الأول، حيث قرأت آمنة 128 كتاباً، خلال العام الدراسي. آمنة فقدت قبل عامين قدرتها على المشي، لكنها لم تقف عاجزة، بل أبحرت وحلقت في بحور الأدب والمعرفة، وكان تحديها دافعاً لتغيير حياتها»، وانتقالاً من العام إلى الخاص يلقي صاحب السمو ضوءاً خاصاً على حالة خاصة هي فوز الطالبة آمنة المنصوري بالمركز الأول، على الرغم من حالتها الصحية الصعبة حين فقدت قدرتها على المشي، لكنها لم تفقد الإرادة، بل انخرطت بكل شجاعة في هذا التحدي. وحققت المركز الأول بقراءة 128 كتابا محققة بذلك حالة فريدة من حالات التحدي، وتحقيق الذات في مواجهة الصعوبات، فآمنة لم تستسلم لهذه الحالة الطارئة، بل حلقت عالياً، وأبحرت في بحور الثقافة والمعرفة حتى وصلت إلى هذا الحلم المتميز، الذي جعلها نموذجاً ملهماً ومصدر فخر لأهلها وذويها. «اليوم آمنة استعادت قدرتها على المشي، وفازت في تحدي القراءة، وكتبت قصتين، وستمثل الدولة بعد أيام قليلة في أولمبياد الفيزياء العالمي في طوكيو. تحدي آمنة كان فرصة لها لإعادة بناء نفسها، والانطلاق نحو الحياة، وهكذا نريد أبناء وبنات الإمارات»، ويواصل صاحب السمو التعبير عن مشاعره النبيلة تجاه هذا الإنجاز، الذي تبلور على يدي هذه الطالبة الاستثنائية. فيجعل منها نموذجاً ملهماً، استعاد قدرته على المشي والحياة بعد تحقيق هذا الإنجاز، ولم يتوقف عطاؤها عند هذا الحد، بل ستمثل الدولة في مسابقة عالمية في علم الفيزياء في اليابان، ليكون ذلك كله فرصة ثمينة لإعادة بناء النفس، وتجديد دورة الحياة في إنسانة لم ترفع راية الاستسلام، بل واصلت الكفاح والتحدي حتى أصبحت نموذجاً متفرداً يريد صاحب السمو لجميع أبناء الوطن أن يحذوا حذوه. «وأبارك أيضاً للطالب غريب اليماحي الحاصل على المركز الأول في تحدي القراءة في الدولة في فئة أصحاب الهمم. غريب كفيف البصر، ولكنه ليس غريباً في طريق الإنجاز. وليس كفيفاً عن الوصول للمعالي»، ثم كانت هذه الالتفاتة الرائعة من صاحب السمو إلى الطالب الكفيف غريب اليماحي، الذي حقق المركز الأول على فئة أصحاب الهمم، ثم أبدع صاحب السمو في التنويه بهذا الطالب النموذج حين ذكر أن غريب ليس غريباً في طريق الإنجاز، ولا عاجزاً عن الوصول إلى أعلى المراتب في طريق المعالي. «قرأ غريب 130 كتاباً، خلال العام الدراسي بطريقة بريل، وهو كاتب للمقالات ومتحدث ومتفوق وملهم لنا جميعاً. عندما يقرأ الكفيف 130 كتاباً.. على المبصرين أن يراجعوا أنفسهم فيما يقرأون. كل التوفيق للطالب غريب، الذي يمثل بإصراره وقوة إرادته مقولة: لا شيء مستحيل في دولة الإمارات»، ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة، التي تظهر روعتها في محتواها الإنساني، من خلال هذا التعاطف النادر مع هذه الحالة الفريدة لهذا الطالب، الذي قرأ 130 كتاباً بطريقة بريل المصممة للمكفوفين، ليكون ذلك التحدي رسالة للمبصرين، الذين لا يمنحون القراءة ما تستحقه من العناية والاهتمام، لتكون حالة غريب تجسيداً للمقولة الراسخة في الوعي الوطني: لا مستحيل في دولة الإمارات. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :