الهجوم الأوكراني المضاد مستمر بسلاح مميز في مواجهة تحضير روسي جيد

  • 7/9/2023
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

انطلق الهجوم المضاد الأوكراني قبل أكثر من شهر بعد طول انتظار، الاّ أنّه لم يحقّق حتى الآن حجم المكاسب التي كان يتوقّعها بعضهم، بخاصة بعد أن كانت القوات الأوكرانية فاجأت العالم بحجم مكاسبها في هجومها المضاد في صيف العام الماضي. ورغم تسلّمها ما يقارب 300 دبابة وبضع مئات الآليات الهجومية المصفّحة والمدافع والصواريخ، من دول حلف الناتو، الاّ أنّ مكاسب القوات الأوكرانية تُعتبر متواضعة حتى الآن. لكن القيادة الأوكرانية والعديد من المراقبين يشدّدون على أنّ الهجوم المضاد ما زال في مراحله الأولى، ويُتوقع أن يستمر حتى آخر الصيف. القوات الروسية التي مُنيت بهزائم عديدة على الجبهتين الجنوبية والشرقية، وخسرت مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت احتلتها عند بدء هجومها في آخر شباط (فبراير) 2022، تعلّمت درسها بشكل جيد، وباتت تأخذ الجيش الأوكراني بجدّية أكبر. فلقد استعدّت للهجوم المضاد بشكل جيد، ببناء خطوط دفاع متعدّدة وفي العمق على طول جبهات المواجهة. ويتكوّن كل خط دفاع من أنفاق وخنادق وتحصينات مدعومة بنيران كثيفة من سلاح المدفعية. كما تمّ رصد مجموعات من قوى احتياط مسلّحة بدبابات وعربات مصفّحة هجومية، جاهزة لشنّ هجمات مضادّة سريعة، في حال تمكّنت القوات الأوكرانية من اختراق خطوط الدفاع. فالقوات الروسية تعلّمت درسها من العام الماضي، عندما طبّقت القوات الأوكرانية تكتيك المقاربة غير المباشرة، المعروفة به المدرسة العسكرية الغربية، والذي يعتمد على التوغّل السريع عند اختراق خط الدفاع، من أجل قطع خطوط الإمداد وتطويق تجمّعات العدو. وهذه السنة تعمل القوات الروسية على سدّ الثغرات والتحرّك بسرعة، لمنع القوات الأوكرانية من التقدّم لمسافات كبيرة عند حدوث أي اختراق لخطوط الدفاع. لقد أحرزت القوات الأوكرانية بعض التقدّم على محورين: الأول في منطقة باخموت والثاني في زابوريجيا. فعلى المحور الأول اخترقت القوات الأوكرانية الدفاعات الروسية جنوب مدينة باخموت وتقدّمت بضعة كيلومترات، قبل أن تواجه هجوماً روسياً مضاداً أدّى إلى ايقافها. وحدث الأمر ذاته في شمال المدينة. يبدو أنّ القوات الأوكرانية تعمل على تحرير القرى والمرتفعات المحيطة بمدينة باخموت تحضيرا لاقتحامها واستعادتها قبل نهاية الصيف. وتجدر الإشارة إلى أنّ مدينة باخموت ومحيطها هي المنطقة الوحيدة التي تمكّنت القوات الروسية من احتلالها في هجومها الكبير خلال الشتاء الفائت، وإذا ما استعادتها القوات الأوكرانية تكون دماء الآلاف من القوات الروسية المدعومة بقوات "فاغنر" لاحتلالها على مدى ما يقارب الثمانية أشهر قد ذهبت هباءً. أما على جبهة زابوريجيا جنوباً، فتمكّنت القوات الأوكرانية من تحرير ما لا يقلّ عن 7 قرى في هجوم أولي. ويعتقد الخبراء بأنّ القوات الأوكرانية تجري مناورة بالنار على طول الجبهة الجنوبية، في محاولة لاكتشاف مناطق الضعف في الدفاعات الروسية. كما تحاول امتحان قواتها في استخدام الأسلحة الجديدة وكشف قدرات روسية جديدة، لتحديد آلية التعامل معها. فالقوات الأوكرانية تستخدم دبابات غربية مثل "ليوبارد 1 و2 وتشالنجر-2" ومدرّعات هجومية مثل "برادلي" وغيرها للمرّة الأولى، وبالتالي يتعرّف الجنود الأوكران على سبل استخدام هذه الآليات والأسلحة في الحرب، وتحديد نقاط قوة كل منها وضعفها وأفضل وسيلة لاستخدامها. فخلال المعركة يستطيع الجنود والقادة أن يقرّروا ما إذا كان هذا السلاح جيداً على الجبهة أو في الخطوط الخلفية أو في مهام الهجوم أو الإسناد. كما يتمّ اختبار العديد من الأسلحة الغربية للمرة الأولى في حرب، وبالتالي، فإنّ هذه المرحلة الأولية من الهجوم كانت لاختبار الدفاعات الروسية وفي الوقت عينه تدريباً حياً للقوات الأوكرانية على ما تسلّمته من أسلحة غربية جديدة. لقد أظهرت القوات الروسية براعة في استخدام المسيّرات الانتحارية طراز "لانسيت" والصواريخ الموجّهة المضادة للدروع، في نصب كمائن ناجحة ضدّ المهاجمين الأوكران. كما أنّ نجاح "لانسيت" في تدمير منصّات دفاع جوي متحرّكة على الجبهة سمح للقوات الروسية باستخدام سلاح الجو، وتحديداً المروحيات الهجومية، بفعالية، لوقف تقدّم المدرّعات الأوكرانية. وهذا ما دفع بدول حلف الناتو لإرسال المزيد من الصواريخ المضادّة للطائرات التي تُطلق عن الكتف، لردع القوات الجوية الروسية وللمساعدة في وقف هجمات المسيّرات الانتحارية. تسعى القوات الروسية لإظهار قدرتها على تدمير الدبابات والمدرعات الغربية في ساحة المعركة. فهي ومنذ بداية الحرب، تواجه أزمة نتيجة تدمير القوات الأوكرانية مئات الدبابات والمصفحات والمدافع الروسية وانتشار صورها محترقة على أرض المعركة، ما أضرّ بسمعة الصناعات الدفاعية الروسية. ولذلك نشر الإعلام الروسي بكثافة صوراً لبضع دبابات "ليوبارد-2" الألمانية الصنع وقربها عدد من عربات "برادلي" الأميركية الصنع وهي مدمّرة في ساحة المعركة. ومن الأمور التي كشفتها المعارك الأخيرة، تميّز الآليات الغربية في توفير الحماية لطاقمها مقارنة بالآليات الروسية. ففي حين كانت الدبابات والمركبات المصفّحة الهجومية الروسية تحترق وتنفجر بشدّة عند إصابتها، ما كان يؤدي غالباً إلى مقتل طاقمها، الاّ أنّ طواقم الدبابات والآليات الغربية الصنع خرجت معظم الأحيان سالمة، وذلك بسبب تصميم هذه الآليات الذي كان يعطي أولوية لسلامة الجنود، وهو أمر غير موجود في الآليات الروسية. وظهرت صور ولقطات فيديو لآليات مثل "بروماكس" الأميركية الصنع وهي مهشّمة ومقدّمتها مدمّرة بالكامل، ورغم ذلك خرج جميع الجنود منها سالمين. وبالتالي، فإنّ المعارك تعطي صورة إيجابية لهذه المعدّات الغربية رغم إصابتها على أرض المعركة. الهجوم الأوكراني المضاد مستمر، ويبدو أنّ التكتيك الأوكراني سيعتمد على استخدام صواريخ دقيقة بعيدة المدى من راجمات "هايمارس" أو مثل "ستورم شادو"، لتدمير مخازن الذخيرة ومراكز القيادة والسيطرة والجسور في عمق خطوط القوات الروسية، لحرمان الجنود على الخطوط الأمامية من الذخائر والطعام، لصدّ هجمات قواتها المتتالية، بهدف خرق الخطوط والتوغّل بسرعة. ولقد تمكّن الروس من منع الأوكران من فتح جبهة خيرسون لدعم جبهة زابوريجيا عبر تفجير سدّ خاخوفكا الذي أدّى إلى طوفان نهر ديبرو. لكن مياه الفيضان بدأت تنضب، ما سيمكّن القوات الأوكرانية من فتح جبهة خيرسون مجدداً، الأمر الذي سيزيد من الضغط على القوات الروسية في الجنوب. وبالتالي، فإنّ الهجوم الأوكراني المضاد سيشهد فصولاً جديدة، تضع القوات الروسية أمام امتحانات وتحدّيات متعددة، مع استمرار الدعم العسكري اللا محدود من أميركا ودول الناتو لأوكرانيا. ولا يبدو أنّ هذه الحرب ستنتهي في وقت قريب.

مشاركة :